منتديات عامل من تاميكو
نورت منتديات عامل من تامبكو بقدومك
أشرقت الأنوار بقدومك وتدفق النهر بإطلالك

وغردت الطيور بك فيا أهلا ويا سهلا بالقلب نبعثر

التراحيب ونزف استقبالنا معطر بالورد و الكادي

مملوء بالحب والشوق والمشاعر أتمنى لك ألاستفادة بيننا
فأهلا بك زائرنا الكريم ويشرفنا بتسجيلك
ستسعدنا بتسجيلك وإنضمامك إلى اسرة المنتدى
أحمد الزعبي
منتديات عامل من تاميكو
نورت منتديات عامل من تامبكو بقدومك
أشرقت الأنوار بقدومك وتدفق النهر بإطلالك

وغردت الطيور بك فيا أهلا ويا سهلا بالقلب نبعثر

التراحيب ونزف استقبالنا معطر بالورد و الكادي

مملوء بالحب والشوق والمشاعر أتمنى لك ألاستفادة بيننا
فأهلا بك زائرنا الكريم ويشرفنا بتسجيلك
ستسعدنا بتسجيلك وإنضمامك إلى اسرة المنتدى
أحمد الزعبي
منتديات عامل من تاميكو
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اهلا بك يا زائر في منتديات عامل من تاميكو
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
بحجابي افتخر
عامل قيد الترفيع
عامل قيد الترفيع
بحجابي افتخر


رقم العضوية : 26
20/07/2010
البلد : العراق
الجنس : انثى
العمر : 42
المساهمات : 638
نقاط : 105814
السٌّمعَة : 6
العمل/الترفيه موظفة
  : الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي W610

الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي Empty
مُساهمةموضوع: الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي   الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 23, 2010 6:09 pm

[color=darkblue]
[size=24]الجزء الثالث

الفصل الحادي عشر

في إحدى الأمسيات الهادئة كنت مع بوارو نأكل العشاء في مطعم صغير في سوهو عندما انضم إلينا المفتش جاب فجأة , و كان لقاء وديا حارا, فقد مضى وقت طويل لم نلتق به , منذ مسألة الياسمين الأصفر قبل حوالي شهر , فقال بوارو موبخا :
- ما هذه الجفوة يا جاب ؟ لقد مضت فترة طويلة دون أن نراك أو نسمع عنك شيئا
- لقد كنت في منطقة الشمال طوال الفترة المنصرمة .. ما أخبار الأربعة الكبار ؟ مازالوا يزدادون قوة , أليس كذلك ؟
- أدرك أنك تحاول السخرية يا جاب الصغير , لكن الأربعة الكبار موجودون ..
- ها , لا أشك في ذلك , لكنهم ليسوا محور الكون كما تزعم
- أنت نخطئ يا عزيزي , إنني أظن أن أعظم قوة للشيطان في العالم اليوم هي الأربعة الكبار , إلى أي نهاية يسيرون و ماذا يخططون ؟ لا أحد يعلم , و لكن ليس هناك منظمة إجرامية تضاهي هذه المنظمة , على رأسها أذكى دماغ في الشرق , و مليونير أمريكي , و عالمة فرنسية , أما الرابع ..

تداركه جاب : أعرف ذلك , أعرفه جيدا , لقد أصبح هاجسك الذي لا يفارقك , دعنا نتحدث في شيء آخر , هل تهتم بالشطرنج ؟

- لقد لعبته مرات معدودة , نعم
- هل رأيت ذلك الحدث أمس ؟ مباراة بين أشهر لاعبين في العالم تنتهي نهاية محزنة مثيرة : لقد مات أحدهما أثناء اللعبة
- قرأت الخبر في الصحيفة : البطل الروسي كان أحد اللاعبين , أما الآخر صاحب الحظ السيء فهو الأمريكي جيلمور ويلسون !
- تماما , سافرونوف هزم روبستين و تربع على عرش بطولة روسيا قبل بضع سنوات , و أصبح ويلسون بطلا ثانيا ..
- إنها قضية مثيرة حقا , لكن يبدو أن لك اهتماما خاصا بهذا

ضحك جاب مرتبكا من ذكاء بوارو ..

- لقد أصبت يا سيد بوارو , إنني أغرق في حيرة شديدة حقا ! ويلسون كان سليما معافى , ليس عليه علامة من علامات مرض القلب , وفاته لا يجوز تفسيرها بهذه السهولة

قلت معلقا :
- هل تظن أن سافرونوف قد أبعده عن الطريق ؟

لم يكترث كثيرا لسؤالي و قال :
- ربما , لكني لا أظن أن اللاعب الروسي يمكن أن يقتل رجلا من أجل ألا يهزم في لعبة الشطرنج

بوارو : إذن ما هي فكرتك باختصار ؟ من الذي سمم ويلسون و لماذا ؟ أنت تشك قطعا بالسم

- توقف القلب فجأة يعني أنه توقف عن الخفقان , هكذا يقول الطبيب , لكن تأويل الحدث لا يرضي أحدا حتى الطبيب نفسه
- متى تشرح الجثة ؟
- الليلة , ربما سنكتشف بعض الأسرار , لقد كانت وفاة ويلسون مفاجأة غير عادية إذ بدا طوال الوقت طبيعيا , و سقط فجأة و هو يأخذ حجرا ليحركه

اعترضه بوارو :

- هناك أنواع قليلة من السموم يمكن أن تعمل بهذه الطريقة
- هذا صحيح , هذا ما سيكشفه التشريح . لكن , من الذي يريد إبعاد ويلسون عن الطريق ؟ انه رجل مسكين و متواضع و لطيف , لقد جاء هنا للتو من الولايات المتحدة و لا أظن أن له في العالم أعداء
- أظنك تحوم حول فكرة معين
- فكرة تسيطر علي : إن السم لم يكن يقصد به ويلسون , بل الرجل الآخر
- سافرونوف ؟
- نعم هناك خصومة قديمة و عنيدة بينه و بين البلشفيين منذ اندلاع الثورة , و قد أشيع أنه قتل , لكنه في الحقيقة نفي إلى سيبيريا ثلاث سنين في ظروف قاسية يصعب تصديقها , حتى تغيرت أحواله و تبدلت أوصافه , ابيض شعره و تهدل منكباه و عندما هرب أخيرا و لجأ إلى إنكلترا صعب حتى على أصحابه القدامى أن يتعرفوا عليه .

وهو منذ ذلك الحين لا يغادر بيته إلا قليلا و قد آثر اعتزال الناس مع بنت أخيه سونيا و خادم روسي في شقته متوارية على طريق ويستمنستر , كأنه مازال مرعوبا يلاحقه الخوف من خصومة الأقدمين , و هذا سبب رفضه المتكرر للمباراة التي ألح عليه ويلسون لخوضها متحديا , ولو لا الحملة الصحفية المثيرة التي فسرت الرفض أنه منافاة للروح الرياضية لما استسلم سافرونوف بهذه السهولة .. إنني مقتنع أن ويلسون قتل خطأ !

- ألا ينتفع شخص بموت سافرونوف ؟
- حسنا , ابنة أخيه وارثه الوحيد , لقد حصل مؤخرا على ثروة ضخمة تركتها له مدام جوسبوجا التي كانت زوجة لتاجر سكير كبير في ظل النظام القديم و يبدو أن علاقة ما كانت قائمة بينها و بين سافرونوف
- أين حدثت المباراة ؟
- في بيت سافرونوف الخاص ؛ لأنه كان مريضا كما قلت لك
- و هل شاهدها عدد كبير من الناس ؟
- اثنا عشر شخصا على الأقل

هز بوارو رأسه بحركة معبرة ثم قال :

- كم أنت مسكين يا جاب , إن عملك صعب جدا !
- إذا تأكد لدي أن السم كان هو السبب أستطيع أن أقول : إنني سأنجح
- على ضوء افتراضك بأن سافرونوف هو المقصود , هل خطر لك أن القاتل سيحاول مرة أخرى ؟
- قطعا يا سيد , هناك رجلان يراقبان بيت سافرونوف دوما ..

فقال بوارو بنبرة فيها معنى الاستخفاف :

- هذا سيكون مفيدا لو أن الزائر يحمل قنبلة تحت إبطه ..
- أظن أنك أصبحت مهتما بالقضية , ما رأيك أن تذهب معي إلى المشرحة لمشاهدة جثة ويلسون قبل البدء بتشريحها فربما ظهر لك دليل ما ..

وافق بوارو , و لقد بدا لي أنه أصبح مأسورا تماما بالقضية الجديدة , فقد مضى وقت طويل دون أن يهتم بقضية بعيدة الصلة عن الأربعة الكبار و نشاطهم , و لقد شعرت بسرور لرؤية بوارو يرجع تدريجيا لنشاطه الأول

و حين نظرنا إلى الجسد المسجى لم نلحظ أي أثر غريب ما عدا الندبة التي ظهرت على أصابع يده اليسرى , و لقد أوضح الطبيب أنه حرق و ليس جرحا

انتقل بوارو إلى الاهتمام بمحتوى جيوبه و قد نثرها أمامنا أحد رجال الشرطة , و لم يكن فيها سوى منديل و مفاتيح و دفتر ملاحظات و بعض الرسائل غير الهامة , لكن وجد شيئا بسيطا أثاره , فقد أمسك باثنين من حجارة الشطرنج و صاح منفعلا :

- بيدق .. فيل .. هل كان هذا في جيبه ؟
- لا , كان يمسك به بيده , و بصعوبة بالغة تم استخراجه من بين أصابعه المتشنجة تشنجا قويا , يجب إرجاعه للدكتور سافرونوف , انه جزء من طقم جميل منحوت من العاج !
- اسمح لي أن أعيدها أنا إلى السيد سافرونوف و لعل ذلك يكون عذرا كي أزوره

صرخ جاب مستبشرا :

- إذن تريد الغرق في لجة هذه القضية كما أرى ؟
- نعم لقد طاب لي البحث في هذه المعضلة , لقد استطعت إثارة اهتمامي يا سيد جاب

ثم عاد بوارو متجها إلى الجثة و سأل :

- هل لك أن تعلمني أكثر عن الضحية ؟
- لا أظن , لم يبق شيء
- و لا حتى أنه أعسر ؟
- انك ساحر يا بوارو , كيف عرفت ؟ لقد كان أعسر حقا , و هل لهذا صلة بالحادث ؟
- ربما لم يكن لهذا الأمر بالحادث أي علاقة

في صباح اليوم التالي كنا نشق طريقنا إلى شقة سافرونوف في ويستمنستر , و قلت متأملا :
- سونيا دافيلوف , انه اسم رائع

سمع بوارو حديثي , ألقى علي نظرة بائسة ثم قال :
- أنت هكذا دائما , رومانسي تماما , لكن حظك سيكون سعيدا إذا ظهر أن سونيا دافيلوف هي صاحبتنا الكونتيسة فيراروساكوف

و حين سمعت الاسم أصابتني هزة عنيفة و اكفهر وجهي و أعادتني الذاكرة إلى أشد فترات الحرج في حياتي , لكن بوارو تدارك بسرعة :

- لا , لا يا هيستنغز , إنما هي نكتة .. لا أظن أن أصابع الأربعة الكبار وصلت بنا إلى هنا ..

فتح الباب خادم ذو وجه متجهم كأنما نحت من خشب لا انفعال فيه و لا يكاد يبدي استجابة لأي مؤثر

قدم بوارو بطاقة كتب عليها جاب بضع كلمات تعريفية , و بعدها تم اقتيادنا نحو غرفة المجلس . كانت غرفة واسعة منخفضة , على جدرانها ستائر فخمة , و تملأ زواياها تحف ثمينة , و الأرض مفروشة بالسجاد الفارسي الرائع

اتجهت نحو إحدى التحف أتفحصها , و قد كانت ذات قيمة غالية و حين استدرت نحو بوارو لأحدثه وجدته منبطحا على الأرض و أصابعه تعبث بسجادة فارسية , و عيناه تمعنان النظر باهتمام بالغ , فخطر لي أن السجادة جميلة تلفت النظر حتى تحوز على هذا الاهتمام , فقلت :

- هل هي قطعة نادرة ؟
- السجادة ؟ إنها قطعة رائعة و لكني أبحث عن شيء آخر .. إبرة كبيرة أدخلت عمدا في وسطها . الإبرة ليست هنا الآن و لكن الثقب الذي أحدثته واضح جدا !

صوت امرأة من خلفنا جعلني أدور بسرعة نحوها بينما قفز هو على قدميه برشاقة , كانت هي تقف في مدخل الغرفة و عيناها علينا , كانت متوسطة الطول و ذات شعر أسود قصير , يبدو أنها لا تتقن الإنكليزية تماما :

- عمي حريص و أخشى أنه لن يستطيع مقابلتكم
- هذا شيء مؤسف , هل تتلطفين بإجابتنا بعض الأسئلة ؟ أنت الآنسة دافيلوف , أليس كذلك ؟
- بلى , أنا سونيا دافيلوف , ما الذي تريد معرفته ؟
- إني أتابع التحقيق في الحادث المحزن الذي أدى إلى وفاة السيد ويلسون , هلا أخبرتنا عن الحادث ؟
- لقد مات بسبب توقف قلبه أثناء اللعب في المباراة
- هيأة التحقيق غير متأكدة من هذا السبب كما يبدو يا آنسة

ارتعدت الفتاة و بدرت منها حركة تنبئ برعبها و صرخت :

- إذن لقد كان إيفان محقا , إنها الحقيقة , يا الهي !
- من هو إيفان ؟ و ما هي الحقيقة ؟
- إيفان هو الذي فتح لكم الباب , لقد أخبرني أن جيلمور لم يمت موتا طبيعيا , بل مات مسموما , ولم هذا المقصود
- لم يكن هو المقصود ؟
- أجل كان المقصود هو عمي !
- لكن من الذي يريد سم عمك ؟
- لا أعرف إنني أعيش في ظلام , و عمي لا يثق بي و ربما يكون هذا طبيعيا , لأنه لم يرني إلا و أنا طفلة صغيرة , و جئت الآن لأعيش معه في لندن , و كل ما أعرفه أنه يعيش في رعب دائم , انه يخاف شيئا ما , إن روسيا مليئة بالجمعيات السرية , و لقد سمعت مرة إحدى مكالماته ..

و مالت برأسها نحو بوارو و همست :

- هل سمعت شيئا عن جمعية تسمى (( الأربعة الكبار ))؟

جحظت عينا بوارو و ارتجف من هول المفاجأة :
- ماذا ؟ هل تعرفين الأربعة الكبار يا آنسة ؟
- إذن هي جمعية موجودة , لقد سمعت إشارة عنها و سألت عمي بعد ذلك أر رجلا خائفا مثله : شحب لونه و ارتجف عندما سمع هذا الاسم , لقد كان يخاف منهم خوفا عظيما , إني متأكدة من ذلك .. لا بد أن ويلسون قتل خطأ

همس بوارو :

- الأربعة الكبار , دائما الأربعة الكبار .. إنها مصادفة مذهلة حقا , إن عمك مازال في خطر , و يجب أن أنقذه . أعيدي علي الآن سرد أحداث الواقعة , أريني رقعة الشطرنج و كيف كان يجلس الرجلان و أين , أريني كل شيء

اتجهت إلى جانب من الغرفة و أحضرت طاولة صغيرة بدا سطحها رائعا مرصعا بمربعات من الفضة و اللون الأسود على هيئة رقعة شطرنج :

- أرسلت هذه إلى عمي هدية قبل بضعة أسابيع مع رجاء حثيث أن يستعملها في المباراة القادمة التي كان سيلعبها .. كانت في وسط الغرفة هكذا

تفحص بوارو رقعة الشطرنج بصورة مبالغة : من الأطراف إلى الأسفل , ورأيت في ذلك بعض المبالغة .

لم يسألها أي سؤال من الأسئلة التي كنت أشعر بأهميتها في التحقيق , و شعرت أن أسئلته عديمة الجدوى و لا مغزى لها , و أيقنت أن ذكر الأربعة الكبار جعله يفقد توازنه العقلي !

لم يسألها عن المشروبات التي قدمت و لا عن الأطعمة و لا سأل عن أشخاص الحاضرين , تنحنحت بتكلف و أنا أسأله :

- ألا تظن يا بوارو هذه المرة ..

تداركني بوارو بعجرفة قائلا وهو يشير بيده نحوي :

- لا تظنن يا صديقي و اترك الاستنتاجات لي .. يا آنسة , هل يستحيل تماما رؤية عمك ولو لبضع دقائق ؟

ابتسمت ابتسامة باهتة ثم قالت :
- انه سيراك , نعم , إن دوري أن أقابل جميع الغرباء أولا قبل المقابلة لأسباب أنت تعلمها ..

و اختفت في الغرفة المجاورة بعض الوقت ونحن نسمع صوت الهمس , ثم عادت لتقودنا إلى سافرونوف

كان رجلا مهيبا يستلقي على أريكته , طويلا هزيلا ذا حواجب كثة متهدلة على عينيه و لحية بيضاء ووجه بدت عليه علامات الضنك و القسوة التي خلفها الزمان , و كان رأسه طويلا

انه لاعب شطرنج عظيم , فلا بد أن له دماغا كبيرا واسعا يملأ هذا الرأس الضخم

انحنى بوارو ثم قال :

- سيدي , هل لي أن أتحدث إليك قليلا على انفراد ؟

التفت نحو ابنة أخيه :

- اتركينا قليلا يا سونيا
- والآن يا سيدي , هل لديك شيء ما تود أن تقوله ؟
- دكتور سافرونوف , لقد حصلت للتو على ثروة ضخمة فمن سيرثك ؟
- لقد كتبت وصية أترك فيها كل شيء لابنة أخي سونيا
- لكنك لم ترها منذ فترة طويلة , منذ أن كانت طفلة , و أظن أنه من السهل أن تنتحل أي فتاة هذه الشخصية

تفاجأ سافرونوف بهذا الرأي و لكنه لم يعلق فقال بوارو مواصلا :

- يكفي أن أعطيك إشارة فقط , هذا ما أريده , لكن هل لك أن تصف لعبة الشطرنج ذاك المساء ؟
- كيف تريد أن أصفها لك ؟
- حسنا , إنني لا ألعب الشطرنج لكنني أفهم أن هناك عدة طرق معتادة للبدء أو الافتتاح كما تسمونها

ابتسم سافرونوف ابتسامة خفيفة :
- ها , نعم , ابتدأ ويلسون بطريقة لوبيز إحدى أسلم البدايات التي يستخدمها اللاعبون بطريقة متكررة في المباريات
- كم مضى على اللعبة عندما حدثت المأساة ؟
- لقد حدث ما حدث بعد النقلة الثالثة أو الرابعة , عندما وقع ويلسون فوق الطاولة بشكل مفاجئ

نهض بوارو لكي يغادر و سأل بغير اكتراث :

- هل أكل أو شرب شيئا ؟
- بعض الصودا , على ما أعتقد

تريث بوارو على عتبة البيت و هو يهم بالخروج ثم سأل :

- هل تعرف من يسكن تحتك ؟
- السير تشارلز كينغويل عضو البرلمان , لقد استأجرها مفروشة مؤخرا
- أشكرك يا دكتور

دلفنا إلى الشارع و قد أطلت علينا شمس الشتاء من بين الغيوم بوهج بارد فانفجرت في بوارو :

- حسنا ... في الحقيقة يا بوارو لا أظن أنك أبليت بلاء حسنا هذه المرة , و لقد ظهر لي أن أسئلتك كانت غير مناسبة
- هل تعتقد ذلك يا هيستنغز ؟ ماذا كنت أنت ستسأل ؟

حاولت أن أفكر بصياغة سؤال , و أوضحت مخططي لبوارو و هو ينصت إلي باهتمام مريب حتى وصولنا إلى البيت تقريبا حيث علق ببرود :

- سؤال بارع جدا لكنه غير لازم
- غير لازم , و هل .. ؟

فتح الباب و دلف إلى داخل الغرفة و التقط رسالة كانت على الأرض

- إنها من جاب كما توقعت . رسالة مختصرة تفيد بأنه لم يجد آثار السم .. و هكذا ترى أن أسئلتك التي وددت لو طرحتها لا لزوم لها
- هل كنت تخمن هذه النتيجة من قبل ؟
- عندما تعمل بنجاح لا يسمى هذا تخمينا
- هل تريد أن نتجادل في أمور تافهة ؟ هل تنبأت بهذا ؟
- نعم
- لماذا ؟

أخذ بوارو حجر الفيل الأبيض من جيبه ثم رفعه بين أصابعه , فصرخت فيه منفعلا :

- لم لم تعده للدكتور سافرونوف ؟
- أنت مخطئ في ظنك يا صديقي ! ذلك الفيل مازال في جيبي الأيسر أما هذا فهو فيل اللعبة الآخر و قد أخذته من علبة الأحجار و أنا أتفحصها ..

حتى الآن لم أفهم حركات بوارو هذا , و سألته متحيرا :
- و لكن لماذا أخذت الحجر الآخر ؟
- قطعا من أجل أن أقارن بينهما , انهما يبدوان متشابهين تماما , و لكن يجب عدم التسرع بالاستنتاج . علي بميزاني الصغير لو سمحت

و بعد أن وزن الفيلين بعناية التفت إلي ووجهه يشع بفرحة الظفر :

- نعم , نعم , هذا صحيح , من المستحيل خداع هيركيول بوارو

ثم أسرع نحو الهاتف :

- هل هذا هو جاب ؟ هيركيول بوارو يتكلم , راقب الخادم إيفان لا تدعه يهرب , احذر أن يفلت من يديك مهما كان الثمن .. كما أقول لك ..

ثم التفت إلي قائلا : حتى الآن أراك لم تفهم الحقيقة يا هيستنغز , انتبه سأشرح لك :

إن ويلسون لم يقتل بالسم , بل قتل بالصعقة الكهربائية , خيط معدني رفيع يمر في منتصف هذا الحجر , و لقد أعدت الطاولة من قبل ووضعت بعناية فوق مكان ما على الأرض , و عندما وضع الفيل فوق إحدى المربعات الفضية انتقل التيار الكهربائي إلى جسم ويلسون و قتله على الفور , لقد كانت الطاولة خاصة معدة لهذا الغرض بعناية

الطاولة التي تفحصتها كانت نسخة أخرى مشابهة , لقد استبدلت , و بقي الحرق هو العلامة الوحيدة على يد ويلسون اليسرى .. ألا تذكر أنه أعسر ؟ !

إن الأمر قد تم في البيت الأسفل , لكن أحد الشركاء – على الأقل – كان في بيت سافرونوف . الفتاة جندي للأربعة الكبار , تعمل كي ترث أموال سافرونوف

- و إيفان ؟
- أشك بقوة أن إيفان ما هو إلا رقم ((4)) : الشهير بأنه شخصية تقدر أن تمثل أي دور ببراعة و سهولة

تذكرت أدوار سابقة : حارس في المصحة العقلية , الجزار , الطبيب اللطيف , كلهم رجل واحد لكنهم لا يشبه أحدهم الآخر . ثم قلت في النهاية : إن ذلك مذهل .. كل شيء كان معدا , و لعل سافرونوف أحس بالخطر مما دفعه إلى التهرب من المباراة

نظر بوارو إلي نظرة عميقة , ثم أخذ يجوب الغرفة ذهابا و إيابا , و فجأة التفت نحوي و سألني :

- هل لديك كتاب عن الشطرنج يا صديقي ؟

حاولت أن أبحث له عن الكتاب , و بعد أن وجدته سلمته له فأمسك به و غاص في كرسيه الضخم يقرأه

بعد حوالي ربع ساعة رن الهاتف , كانت مكالمة من جاب , قال : لقد غادر إيفان الشقة وهو يحمل رزمة كبيرة , قفز إلى سيارة تنتظره , و بدأت المطاردة

كان يحاول تضليل متعقبيه , و في النهاية عندما ظن أنه نجح سار بسيارته نحو بيت كبير في هامستيد , البيت كان محاصرا ..

سردت المكالمة على مسمع بوارو , حدق إلي ذاهلا مما جرى , ثم فتح الكتاب عند طريقة لوبيز في الافتتاح و قال :
- انظر .. 1P-K4 , P-K4;2 KT-KB3,K-QB3;3 B-KT5
لقد كانت النقلة الثالثة إلى المربع الأبيض هي التي قتلت ويلسون , هل ينبئك هذا بشيء يا هيستنغز ؟

لم أفهم مراد بوارو فصمت حائرا .. و انطلق هو شارحا نظريته :

- هناك دائما طريقتان للنظر في الأمور . افترض يا هيستنغز أنك سمعت – و أنت جالس على هذا الكرسي – صوت الباب الأمامي و قد فتح و أغلق فماذا تستنتج ؟
- لا بد أن شخصا قد خرج .. هذا ما سيتبادر إلى ذهني
- هذا أحد الاحتمالين فقط , و الاحتمال الآخر ليس أقل شأنا : ربما كان ذلك الشخص قد دخل , أرأيت : على نفس المقدمة بني استنتاجان يناقض أحدهما الآخر

و لكنك إذا سرت في الاتجاه الخاطئ فلا بد أن يظهر لك تناقض ما يدلك على أنك في الطريق غير الصحيح

قلت : و ماذا يعني ذلك يا بوارو ؟

قفز بوارو على قدميه فجأة ثم صرخ بعنف :
- هذا يعني أني كنت غبيا ثلاث مرات , هيا أسرع إلى شقة سافرونوف لعلنا نصل في الوقت المناسب

انطلقت بنا سيارة أجرة مسرعة و لم يجب بوارو عن أسئلتي الكثيرة . صعدنا الدرج مسرعين , لم يكن هناك جواب على قرع الجرس و طرق الباب مرارا , و عندما ألقينا السمع سمعنا صوت أنين مكتوم ينبعث من الداخل

كان حارس العمارة يملك مفتاحا , و بصعوبة أقنعناه بفتح الباب , دلفنا مسرعين فإذا رائحة الكلوروفورم ووجدنا سونيا دافيلوف مكممة و مقيدة و محشوة قطنية مشبعة بالكلور تسد أنفها

أسرع بوارو لينقذها , و اتصل بالطبيب الذي وصل بسرعة و تولى العناية بها , ثم جرى تفتيش الشقة و لم نجد الدكتور سافرونوف , فقلت :
- ما معنى هذا ؟
- هذا يعني أننا ظننا الظن الخاطئ منذ البداية ... لقد كنا أمام استنتاجين متساويين فاخترنا الاستنتاج الخاطئ .. ألا تذكر استنتاجك بشأن الباب الذي فتح و أغلق ؟ كان يمكن لأي واحدة أن تنتحل شخصية سونيا دافيلوف لأن عمها لم يرها منذ سنوات طويلة
- نعم , و ماذا في ذلك ؟
- حسنا .. العكس صحيح . أيضا يمكن لأي واحد أن ينتحل شخصية العم
- ماذا ؟
- لقد مات سافرونوف فعلا عند اندلاع الثورة , أما الرجل الذي زعم أنه تحمل المشاق و هرب , الرجل الذي (( تغير كثيرا حتى فشل أصدقاؤه في التعرف إليه )) , الرجل الذي زعم أنه حصل على ثروة ضخمة ..
- من كان هذا الرجل ؟
- رقم ((4)) , لقد كان خائفا عندما أخبرته سونيا أنها استمعت إلى إحدى مكالماته , مرة أخرى استطاع الانزلاق من بين أصابعي . لقد أيقن أنني سأسير في الطريق الصحيح حتى النهاية , لقد استطاع تحويل السندات ورقا نقديا , ثم فر بها بعد أن قام بمحاولة حبس سونيا دافيلوف و بعد أن أرسل إيفان الأمين في مطاردة تصرف عنه الانتباه
- لكن من الذي حاول قتله ؟
- لا أحد , ويلسون كان الضحية المقصودة منذ البداية , و رقم ((4)) لم يكن يعرف مبادئ اللعبة , من أجل هذا كان يرفض المباراة , و لقد حاول جاهدا الإفلات منها , و حين فشل وضع نهاية مأساوية لويلسون المسكين

ويلسون كان مولعا بطريقة لوبيز , و لذلك خطط رقم ((4)) لموته في الحركة الثالثة قبل أن يتورط في أي صعوبات دفاعية

حاولت أن أناقش بوارو بصلابة و حزم :

- و لكن ألا توجد طريقة لتجنب المباراة دون اللجوء إلى القتل كأن يزعم بأن الطبيب منعه من اللعب مثلا ؟
- بلى يا هيستنغز , لديه طرق أسهل , لكنك لا تفكر بعقل رقم ((4 )) – المدمر – الذي لا يحرص أن يتجنب إزهاق الأرواح , بل ما كان يشغله أن يمثل دور اللاعب الكبير , فليس غريبا أنه قد حاول مراقبة اللاعبين , وزار عدة مباريات ليقلد الجلسة , و تقطيبة الحركات الاستعراضية , وهو نفسه يضحك ؛ لأنه لم يكن يتقن غير حركتين أو ثلاث حركات , هذه هي نفسية رقم ((4)) , و هذا هو أسلوب تفكيره

هززت رأسي استهجانا ..

- حسنا , أعتقد أنك محق , لكني لا أفهم كيف يغامر شخص هذه المغامرة و يخاطر بحياته في حين يستطيع تحقيق ما يريد بطريقة أسهل

ضحك بوارو ضحكة خفيفة وهو يقول :
- و أين تكمن المخاطرة ؟ هل كان يمكن لجاب أن يحل اللغز ؟ رقم ((4)) يثق بنفسه و لا يتعرض للمخاطرة إلا في حال أن يخطئ خطأ حقيرا
- و ما هو الخطأ الحقير ؟
- لقد غفل يا صاحبي عن الخلايا الرمادية , خلايا هيركيول بوارو

هززت رأسي و ناجيت نفسي : بوارو ذو مناقب حسنة كثيرة لكن التواضع ليس واحدا منها

الفصل الثاني عشر

كان الضباب يلف لندن في يوم شتاء قارس من أيام شهر كانون الثاني عندما كنا نجلس متقاربين عند الموقد , كنت أحس أن بوارو يرمقني بنظرات متتابعة , و كانت بسمة ساخرة على شفتيه , حاولت جاهدا أن أفهمها فلم أستطع , خاطبته :

- أرجو أن تزداد ثقة بقدراتي يا سيد بوارو
- لا عليك , إنما أرجع ذاكرتي إلى الماضي قليلا حين قدمت إلي في منتصف الصيف الماضي , و قد أخبرتني يومئذ أنك تود قضاء إجازتك معي و هي شهران على أبعد حد
- لكني لا أذكر إن كنت ذكرت مدة معينة
- لقد ذكرت ذلك حقا يا صديقي , لكن لماذا غيرت خطتك ؟
- هذا صحيح , لكن هل خطر ببالك أنني سأدع بوارو يصارع هذا الأخطبوط العملاق الأربعة الكبار و أمضي ؟
- ظننت هذا , و لقد أنست بصحبتك الكريمة , لكن ماذا ستقول زوجتك سندريلا الصغيرة كما يحلو لك تسميتها ؟
- هي لا تدرك ما يجري هنا لكنها تفهم دوري و لن تقبل أن أدير ظهري لصديق
- نعم , أعلم هذا , إنها زوجة وفية , لكن رحلتنا يا صاحبي رحلة طويلة

هززت رأسي و أنا أشعر ببعض الإحباط , و يكاد اليأس يسري في أعماقي رويدا رويدا , ثم حاولت التعبير عن مشاعري بتساؤلات :

- لقد مضى على هذا الصراع نحو ستة أشهر , و سؤالي : أين نحن الآن ؟ إنني أحسب يا بوارو دائما أن علينا أن نفعل الكثير
- حماسك يعجبني يا صديقي , لكن ماذا تريدني أن أفعل ؟

هذا السؤال يدعو إلى الحيرة , و جوابه ليس سهلا , لكني حاولت الإصرار بعناد , و لذلك بادرت إلى إجابة متزنة تحمل بعض جوانب القوة ..

- علينا أن نبادر نحن بالهجوم و لا ننتظرهم , و أظن أن ما أنجزناه في الحقبة الفائتة شيء قليل
- ما تم إنجازه أكبر مما تظن يا هيستنغز , كشفنا هوية رقم ((2)) و رقم ((3)) و عرفنا الكثير عن نفسية و أسلوب رقم ((4)) . . . ربما لم يحن الوقت الذي أستطيع فيه توجيه التهمة للسيد ريلاند أو مدام أوليفير , لكن أناسا كبار قد وقعت في نفوسهم شكوك فيهما , مثل اللورد ألدينجتون الذي عرف شيئا كثيرا عن الأربعة الكبار

إن الأربعة الكبار لا زالوا يستطيعون السير , لكن كشافا كبيرا يلاحقهم و يفضح أفعالهم

- و ماذا عن رقم ((4)) ؟
- ألم أقل لك بأننا بدأنا نفهم أسلوبه و كيف يفكر ؟ يمكن أن تسخر من هذا الكلام , لكن تتبع شخصية ما و معرفة ماذا سيفعل تماما في كل الظروف مفتاح النجاح , و في حين أزداد معرفة بدوره فإنني أسعى ألا يعرف عني شيئا , هو في الشمس و نحن تحت الظل , و هو في كل يوم يزدادون خشية مني و خوفا
- على كل حال فانهم الآن قد ابتعدوا عنا , وصار الخطر عنك بعيدا و الطريق خلو من الكمائن
- كلا , بل هذا السكون يدهشني لا سيما أن عندهم طريقين واضحين لينالونا , و أعتقد جازما أن شيئا قد تبين لهم , لا أدري , هل فهمت قصدي ؟

حاولت أن أجيبه – إذ لم أفهم كلامه – جوبا تهكميا

- هل هي آلة جهنمية من نوع غريب لم تعرف بعد ؟

نفد صبر بوارو , و ظهر ذلك من صوته الحاد الذي أحدثه بلسانه :
- حسنا , إني محتاج إلى نزهة في الخارج على الرغم من برودة الطقس , أظن أنك تريد قراءة الكتب مثل (( مستقبل الأرجنتين )) و (( مرآة المجتمع )) و (( تكاثر الماشية )) و (( دليل اللون القرمزي ))

كان كتاب اللون القرمزي يستحوذ على اهتمامي فرجاني بوارو أن أضع الكتب في مواضعها و أن أقضي على هذه الفوضى العارمة في البيت

خرج بوارو بعد أن أبديت له اعتذاري بلطف , و تركني في متعتي التي لم يقاطعها أحد في كتابي المختار , و مع ذلك أعترف أنني كنت نصف نائم عندما سمعت طرقا على الباب فإذا السيدة بيرسون تقول:

- برقية لك يا كابتن ..

و امتدت يدي على الظرف و فتحته من غير اهتمام . كانت الرقية من برونسين مدير مزرعة الماشية التي أملكها في أمريكا الجنوبية , و كانت على النحو التالي :

(( اختفت السيدة هيستنغز أمس , يخشى أن عصابة تسمي نفسها : (( الأربعة الكبار )) قد اختطفتها , أبلغنا الشرطة برقيا لكن لم يظهر أي أثر حتى الآن !

برونسين))

تراجعت إلى الخلف ووقعت في المقعد الكبير مصعوقا أعاود قراءة البرقية مرة بعد مرة , زوجتي الآن مخطوفة و بأيدي هذه المنظمة الإجرامية .. ماذا أفعل ؟ أين أنت يا بوارو ؟ من الضروري قدوم بوارو الآن , انه يقدر على هزيمتهم , سوف أنتظر قدومه قبل أن أحاول القيام بأي فعل , لكن سندريلا الآن في قبضة الأربعة الكبار

. . الباب يطرق مرة أخرى , السيدة بيرسون من جديد :

- رسالة يا كابتين , أحضرها رجل صيني بربري يقف أسفل الدرج

الرسالة كانت قصيرة :
(( إن أردت رؤية زوجتك فقم مع حامل هذه الورقة من فورك , لا تترك رسالة لصديقك و إلا فإنها سوف تعاني أذى كثيرا ))

يا ويلي ! ماذا سأفعل ؟ لا وقت للتفكير , يجب أن أطيع , سندريلا في قبضة الكبار الأشرار , يجب أن أقوم مع هذا الرجل حيث يقودني , ذاك فخ و مصيدة , نعم , انه الأسر الأكيد و الموت المحتمل , لكن ليس لي من الأمر بد , يجب أن لا أتردد

و كيف أذهب و لم أترك لبوارو كلمة واحدة حتى يبحث عني ؟

و ترددت أن أكتب أية كلمة , شعرت أن للأربعة الكبار قوة خارقة يستطيعون أن يعرفوا كل صغيرة و كبيرة , و سهل على الرجل الصيني أن يصعد و يتأكد بنفسه , لقد التزمت أوامرهم , ربما تكون الخادمة الحقيرة جنديا لهم ! و مع ذلك قررت أن أترك البرقية لعل بوارو إذا اطلع عليها يدرك تفصيل ما جرى

لبست قبعتي و انطلقت مهرولا خارج الباب حيث كان الرجل الصيني ينتظر .. رجل طويل ذو وجه صارم , ثوبه بال لكنه حسن , انحنى لي و ألقى التحية , كان يتقن الإنكليزية :

- أنت الكابتن هيستنغز ؟
- نعم
- أعطني الرسالة أرجوك

لقد تنبأت بطلبه فسلمته القصاصة من دون تردد . .
- اليوم وردتك برقية , ووصلتك الآن من أمريكا الجنوبية , أليس كذلك ؟

هنا أدركت عظمة قدرتهم على التجسس و المتابعة , و لا ينفع الإنكار , قد علموا كل شيء !

- بلى وردتني برقية حقا . .
- هلا ذهبت و أحضرتها الآن ؟

شعرت بالحنق و الضيق يطوق عنقي , ركضت على الدرج مرة أخرى , خطر ببالي أن أفضي للسيدة بيرسون التي تقف أعلى الدرج , لكن الخادمة الصغيرة كانت تقف قربها

عبرت المجلس بعدما ترددت في إخبارها , و عدلت عن الفكرة , أخذت البرقية , ثم جاءتني فكرة . . أترك علامة يفهمها بوارو , أخذت أربعة كتب من الخزانة و نثرتها على الأرض , سوف يعرف أن ذلك شيء غير عادي , عندما يتذكر محاضرته المقتضبة قبل خروجه عن ضرورة الترتيب . ثم عمدت إلى مجراف الفحم فملأته و نثرت أربع فحمات في الموقد و دعوت الله أن يوفق بوارو لمعرفة هذا الرمز !

و تدحرجت على الدرج مسرعا , و أخذ الرجل الصيني البرقية , قرأها ثم أودعها في جيبه و أشار بحركة من رأسه أن أتبعه ..

قادني في طريق طويلة مملة , ركبنا القطار مرة و الحافلة مرة أخرى ثم في سيارة أجرة , و كانت الطريق إلى الشرق دائما , حتى اقتربنا من أحواض السفن فعلمت أني ذاهب إلى قلب الحي الصيني

بدأ الرعب يسري في , و شعرت بالخوف أكثر عندما توقف مرشدي بعد لف و دوران في الممرات و زقاق عند بيت خرب متهاو

طرق الباب أربعا , ففتح الباب في الحال رجل صيني آخر , أذن لنا بالدخول . هنا شعرت أن إغلاق الباب خلفي كان نعيا لآخر آمالي في هذه الحياة . . . هاأنا ذا في الأسر

قادني رجل صيني آخر عبر درجات متهاوية نحو الأسفل , إلى قبو مليء ببراميل خشبية فارغة تفوح منها رائحة التوابل الشرقية

أحسست بجو الشرق الغريب يحيط بي , أزاح الرجل بضعة براميل فظهرت فتحة أرضية لنفق مظلم , أمرني بالدخول , كان ممرا ضيقا مظلما موحشا يؤدي إلى قبو آخر !

تقدمني الرجل و ضرب على الجدار أربعا ففتح شق من الحائط , و دخلنا في ممر قصير يؤدي إلى قاعة مدهشة كأنها قطعة من قصر من قصور ألف ليلة و ليلة !

غرفة منخفضة جدرانها مكسوة بالحرير الشرقي , و الأرض مفروشة بالسجاد الثمين , مضاءة بصورة باهرة يعبق الجو فيها بالعطور الشرقية , و كان فيها بضع أرائك رائعة من صنع الصين !

جاء الصوت من خلف الستارة :
هل حضر ضيفنا الكريم ؟

أجاب الدليل :

- يا صاحب السعادة انه هنا
- دعه يدخل

فتحت الستارة فظهرت أريكة ضخمة ذات وسائد , قد جلس عليها رجل عظيم طويل , يلبس ثيابا مطرزة جميلة , و قد استطالت أظفاره بشكل ملفت للنظر . قال وهو يشير بيده :

- اجلس يا كابتن هيستنغز , تسرني رؤيتك , أشكرك على قدومك فورا و تلبية طلبي
- من أنت ؟ هل أنت لي شانغ ين ؟
- في الحقيقة لا . أنا واحد من أبسط خدمه ليس غير . إنني أفعل ما يأمرني كما يفعل عماله الكثيرون المنتشرون في كل مكان كما في أمريكا الجنوبية مثلا

انتفضت من مكاني و صرخت :

- أين هي ؟ ماذا فعلتم بها ؟
- هي في مكان آمن لم يصبها أذى حتى هذه اللحظة

كانت ابتسامته الخبيثة تثير رعشة في , و أدركت أنني أواجه شيطانا فصرخت :

- ماذا تريد ؟ المال ؟
- عزيزي الكابتن هيستنغز .. ليست لدينا مخططات للاستيلاء على مدخراتك القليلة فاطمئن , انك لم تصب الهدف , و أظن أن صاحبك لم يكن ليوافقك هذا الرأي
- أظن أنك أردت أن أقع في شركك و قد بجحت , هاأنا ذا جئتك و عيني مفتوحة , افعل بي ما تشاء و اتركها , إنها لا تعرف شيئا بتاتا , و لن يكون وجودها نافعا , قد أمسكتما لتمسك بي و تحقق لك ذلك

شعرت أن الرجل يرقب حركاتي بدقة بعينيه الصغيرتين و هو يربت على خديه :

- لقد ذهبت بعيدا جدا , المشكلة لم تحل يا كابتن .. إن القبض عليك ليس هدفنا يقينا , بل نريد صاحبك السيد هيركيول بوارو

أطلقت ضحكة سخرية و قلت له :

- لن تستطيعوا

لكنه استمر متجاهلا تعليقي :
- أرى أن تكتب رسالة إلى صديقك بوارو تقنعه بالمجيء هنا للانضمام إليك سريعا

قلت غاضبا :

- لن أفعل الرفض عاقبته لا ترضيك
- عليك اللعنة
- قد يكون مصيرك الموت

غالبت رعشة غريبة سرت في جسدي و أجبته متصبرا :

- تهديداتك لن تخيفني , و يحسن أن توفرها لأمثالك من الصينيين الجبناء
- إنني جاد يا كابتن .. للمرة الأخيرة : هل ستكتب هذه الورقة ؟
- لن أفعل
ومن فوره صفق الرجل بيديه تصفيقا رفيقا , فإذا باثنين من الخدم انشقت الأرض عنهما ينقضان علي و يقيدان ذراعي قبل أن يسحباني إلى إحدى زوايا الغرفة حيث انهارت الأرض من تحتي .

بقيت معلقا من يدي و جسمي مدلى في الشق المظلم أسمع تحتي صوت تلاطم المياه . و سمعت الصوت الهادئ للرجل الجالس على الأريكة :

- النهر . . فكر ثانية يا كابتن . سوف ينتهي أمرك في ثوان لا غير !

أعترف أنني لست من أشجع الرجال , و أعترف أن الخوف و الرعب سيطرا علي , و أيقنت أنني أعيش لحظاتي الأخيرة , و لم أملك تهدئة صوتي المرتعش و أنا أرد عليه :

- لآخر مرة . . لا . اذهب إلى الجحيم !

و أغلقت عيني – بغير إرادة مني – و دعوت دعاء قصيرا
الفصل الثالث عشر


تمر بالمرء أشياء نادرة في حياته يشعر فيها أنه يقف على حافة الموت , و هذا واحد منها , فقد على حافة الموت و هذا واحد منها , فقد أيقنت أنني أعيش لحظاتي الأخيرة !

لكنني دهشت من الحارس يعيدني إلى مقعدي أمام الرجل العظيم , الذي خاطبني قائلا :
- أنت رجل شجاع يا كابتن هيستنغز , و نحن – معشر الشرقيين – نحترم الشجعان و نقدر الشجاعة ؛ يمكن أن أقول إنني كنت أتوقع منك فعل ما فعلت , و هذا ينقلنا إلى الفصل الثاني من المأساة : انك تضطرنا لاتخاذ مسلك آخر , فهل أنت قادر على احتمال موت امرئ يهمك كثيرا بنفس القدر من الشجاعة ؟

أصابتني رعدة قاتلة و شعرت بالرعب يعتريني فقلت بصوت مخنوق :

- ماذا تقصد ؟
- لا أظن أنك نسيت زهرة الحديقة و أنها في قبضتنا

نظرت إليه نظرة أبله شارد يفيض ألما و كآبة , و قال :

- أظن يا كابتن هيستنغز أنك الآن على استعداد لكتابة الرسالة المطلوبة . . عندي نموذج للرسالة , ما عليك إلا أن تكتب ما أمليه عليك , و اعلم أنك أمام خيارين : حياة زوجتك أو موتها

تصبب العرق من جبيني و أنا أرى نفس منساقا لإرادة هذا المجرم الكبير في حين كان يبتسم بخبث و ينطق بنعومة قاتلة :

القلم جاهز في يدك , ما عليك سوى أن تكتب , و إذا لم تفعل . . .

- و إذا لم أفعل ؟
- إذا لم تفعل فان تلك السيدة التي تحبها ستموت موتا بطيئا . إن سيدي لي شانغ ين يمتع نفسه في أوقات فراغه باختراع أساليب جديدة و بارعة في التعذيب

صحت : يا الهي ! أيها الشيطان !هذا لن يكون .. انك لن تفعل ذلك

- هل أسرد عليك بعضا من أساليبه ؟

و أخذ غير مكترث باحتجاجاتي يتدفق في حديثه بهدوء و سكون حتى سددت بيدي أذني و أنا أصيح فزعا :

- هذا يكفي
- حسنا .. خذ القلم و اكتب
- انك لا تجرؤ . .
- كلامك حماقة و أنت تدرك ذلك جيدا . خذا القلم و اكتب
- فلو فعلت فما تعدني ؟
- سوف تصبح زوجتك طليقة , سوف أرسل فورا برقية لتنفيد ذلك
- و كيف أصدقك ؟
- أقسم بقداسة أضرحة أسلافي العظام , ثم لقد تحقق هدفنا من حبسها فلا حاجة لنا بها
- و . . بوارو ؟
- سوف نبقيه لدينا لحين الفراغ من عملياتنا حيث سنطلقه بعد ذلك
- هل ستقسم على ذلك أيضا بحق أضرحة أسلافك العظماء ؟
- لقد أقسمت مرة و هذا يكفي

غاص قلبي بين أضلعي . . كيف أخون صديقي العزيز ؟

ترددت هنيهة ثم لم تلبث أن برزت أمام ناظري صورة زوجتي يعذبها هؤلاء الأشرار تعذيبا بطيئا حتى الموت . أمسكت بالقلم . . ربما أمكنني أن أوصل لبوارو تحذيرا مناسبا عن طريق صياغة بعض الكلمات في الرسالة . و ارتفع صوت الرجل الصيني بلباقة و أدب :

- اسمح لي أن أملي عليك : (( عزيزي بوارو . . أظن أنني أطارد رقم ((4)) , جاء رجل صيني بعد ظهر اليوم و أغراني برسالة كاذبة , و من حسن الحظ أدركت لعبته الصغيرة في الوقت المناسب و أفلت منه , ثم قلبت الطاولة عليه , و قررت أن أتعقبه على عاتقي حتى أشبع غروري

إنني أرسل إليك فتى شابا ذكيا يحمل إليك هذه الرسالة , أعطه نصف كروان , لقد وعدته بذلك إن هو سلمها بأمانة . إنني أراقب البيت و لا أستطيع مغادرته , سوف أنتظرك حتى السادسة , فان لم تأت أحاول الدخول إلى البيت بنفسي , إنها فرصة جيدة لا يصح أن نضيعها , و ربما لا يجدك الفتى , و لكن إن وجدك فدعه يأتي بك هنا فورا و اطمس شاربك حتى لا يعرفك من يراقب البيت

المستعجل أ . هـ ))

كنت أزداد يأسا مع كل كلمة , و شعرت أنها حيلة ماكرة ذكية بارعة . . لقد أدركت أهمية جمع المعلومات عن حياتنا بالتفصيل فقد صاغوا هذه الرسالة بالطريقة ذاتها التي كان يمكن لي أن أصوغها

الاعتراف بأن الرجل الصيني الذي زارني بعد ظهر ذلك اليوم قد سعى إلى إغوائي يذهب بالأثر المرجو لتركي الكتب الأربعة على الأرض و قطع الفحم الأربع في الموقد . الوقت أيضا حدد بذكاء : سوف يندفع بوارو بسرعة مع دليله البريء المظهر لدى استلامه الرسالة , و علمت يقينا إن إصراري على دخول البيت سيدفعه إلى القدوم بأقصى سرعة .

لقد أبدى على الدوام ارتيابا في قدراتي و يخاجله شعور بأنني أندفع إلى الخطر و أنا دون مستوى الحدث فيسرع للتدخل في الوقت الملائم !

و شعرت أني عاجز أن أفعل أي شيء ينقذ بوارو !

أخذ الرجل الرسالة فقرأها و هز رأسه بالرضى ثم أعطاها إلى أحد الخدم الصامتين فاختفى بها خلف الستارة المعلقة على الجدار

و التقط الرجل نموذج برقية سلمها إلي فقرأت فيها : (( أطلق سراح الطائر الأبيض بسرعة ))

تنهدت بارتياح و أنا أسأل سترسلها على الفور !

ابتسم وهو يهز رأسه نافيا :

- فقط عندما يصبح السيد بوارو في أيدينا ليس قبل ذلك
- و لكنك وعدت . . .
- ربما فشلت الخطة , و عند ذلك سنحتاج أن يقنعك طائرنا الأبيض ببذل مجهود أكبر

ازددت شحوبا و سيطر علي الغضب :

- يا إلهي ! . . لو أنك . . .
- كن مطمئنا . لن تفشل هذه الخطة , وسوف يقع السيد بوارو في أيدينا و أبر بقسمي , و حتى ذلك الحين أنت في ضيافتنا وسوف يهتم خدمي بتنفيذ احتياجاتك في غيابي

و تركوني في قبو تحت الأرض وحدي حيث كنت أسمع حركات الخدم و هم ينتقلون , و تنازعتني الهواجس , قلبي على زوجتي التي تعاني من قبضة هؤلاء الأشرار , و في نفسي شعور بالذنب القاتل نحو صديقي بوارو , ثم إنني أخاف هؤلاء الشياطين الذين اتخذوا الخداع دينا و لا يردعهم وازع و لا ضمير

قدموا لي الطعام و الشراب لكنني أزحته جانبا و قد أصابني الغثيان !

و ظهر الرجل الصيني مرة أخرى , كان طويلا جليلا يرفل في ثوبه الحريري الطويل , كان يوجه العمليات بحركات من يده الصفراء

أخرجوني من القبو إلى الغرفة الأولى , و كانت قريبة من الشارع يستطيع القاعد فيها مراقبة الطريق من خلال فتحات الشبابيك . .

لمحت عجوزا يلبس أسمالا بالية يشير بيده إلى المنزل فعرفت أنه من العصابة . قال صاحبنا الصيني :

- هذا حسن , فقد وقع بوارو في الفخ , انه جاء وحده مع الغلام الذي يرشده , الآن حان دورك يا كابتن , عليك أن تقوم لتظهر أمامه فيراك و تشير إليه ليدخل , فهو لن يفعل حتى يراك تصنع ذلك

صحت ثائرا :
- ماذا ؟

فقال بحزم :

- تذكر ثمن الفشل , إذا لم يدخل بوارو فان زوجتك ستموت سبعين مرة , هيا بسرعة

و نظرت بقلب يخفق و إحساس بالغثيان من خلال الشباك فعرفت صديقي الذي كان يمشي على طول الجانب المقابل من الشارع رغم أن ياقة معطفه كانت مرفوعة و اللفاع الأصفر الثخين يغطي أسفل وجهه , لكن تلك المشية هي مشية بوارو و ذاك الرأس البيضاوي هو رأس بوارو

كان بوارو قادما قطعا ليساعدني بوفاء و شهامة لا يشك بأن في الأمر حيلة , و إلى جنبه كان يمشي غلام لندني وجهه متجهم و عليه ثوب بال ٍ

توقف بوارو و كان ينظر ناحية البيت بينما كان الولد يتكلم بلهفة و يشير , و كان الوقت قد حان لألعب دوري
خرجت إلى القاعة , و بإشارة من الرجل الصيني فتح أحد الخدم مزلاج الباب , و همس عدوي :
- تذكر ثمن الفشل

خرجت عند العتبة , أشرت إلى بوارو بيدي فأسرع يقطع الشارع ناحيتي :

- ها . . إذن فكل أمورك كما يرام يا صديقي ؟ لقد بدأت أقلق , هل دخلت البيت ؟ هل البيت خالي ؟

قلت بهمس أجتهد أن أجعله مطمئنا :
- أجل , لا بد أن فيه طريقا سريا , ادخل و دعنا نلتمسه

عدت إلى درجات العتبة , و هم بوارو ليتبعني ببراءة . . ثم بدا أن شيئا ما يدور في رأسي , إنني أحاكي دور يهوذا الاسخريوطي الذي وشى بالسيد المسيح , و فجأة صرخت :

- ارجع يا بوارو ! ارجع من أجل حياتك , انه فخ , لا تهتم بي , اهرب في الحال !

في اللحظة التي تكلمت أو صرخت محذرا أمسكت بي يد كأنها كماشة , و قفز أحد الخدم الصينيين أمامي لكي يمسك بوارو

و قفز بوارو إلى الخلف و رفع يده , ثم فجأة تصاعد دخان كثيف حولي يخنقني , يقتلني , أحسست أني أنهار . . كان هذا هو الموت

ثم عدت إلى وعيي و أنا أتألم , رأسي يدور , رأيت أول ما رأيت وجه بوارو يقعد مقابلي يراقبني بوجه قلق , صرخ فرحا حين رآني أنظر إليه :

- آه لقد عاد وعيك , كل شيء جيد يا صديقي المسكين !
- أين أنا ؟
- أين ؟ في بيتنا

نظرت حولي . . أجل , هذا المحيط أعرفه , و في الموقد كانت قطع الفحم الأربع التي نثرتها

- نعم , لقد أحسنت صنعا , كانت هذه الفكرة ممتازة هي و كرة الكتب , لو أنهم قالوا لي : (( إن صديقك هيستنغز غير واسع العقل , أليس كذلك ؟ )) فسوف أقول : كلا , بل أنتم مخطئون
- إذن فقد فهمتها ؟
- أجل , لقد أخذت حذري و أنفقت الوقت اللازم لكي أحكم خطتي , نقلك الأربعة الكبار بالقوة , لماذا ؟ ليس لأنهم يخافونك و يريدون أن يبعدوك عن الطريق , كلا , بل جعلوك طعما ليصطادوا به بوارو العظيم . . كنت أنتظر هذا منذ زمن فأعددت له

و لما وصل الصغير البريء رسولا منهم فهمت كل شيء و أسرعت معه , و من حسن الحظ أن سمحوا لك أن تقف على العتبة , فقد كنت أخشى أن أفشل في العثور عليك بعد أن أتخلص منهم

قلت بوهن :
- هل قلت : تتخلص منهم ؟ وحدك ؟
- لا شيء من أمرهم يحتاج ذكاءً , إذا استعد المرء من قبل فكل شيء عندئذ يهون , ذلك شعار الكشافة . . انهم يقولون : (( كن مستعدا )) أليس كذلك ؟

منذ وقت غير بعيد قدمت خدمة لكيمياوي شهير له عمل في الغازات السامة أثناء الحرب , فابتدع لي قنبلة صغيرة بسيطة يسهل حملها و ما علي إلا أن أرميها فتنفجر , يتصاعد منها دخان ثم يكون فقد الوعي . .

و في الحال صفرت قليلا فأسرع بعض زملاء جاب – و كانوا يراقبون البيت قبل أن يصل الولد إلى بيتنا و تتبعوا طريقنا حتى لا يم هاوس – حيث تولوا الأمر برمته !

- لكن لماذا لم تفقد أنت وعيك ؟
- صاحبنا رقم ((4)) الذي ألف تلك الرسالة المحبوكة ذكر ملاحظة ساخرة عن شاربي فأخفيته – و معه كمامة التنفس – تحت وشاحي الأصفر

صحت بلهفة :
- إنني أتذكر . .

و مع كلمة أتذكر عادني الرعب و الخوف على سندريلا , تراجعت و أنا أئن ! لا بد أني فقدت وعيي مرة أخرى بعض الوقت , صحوت فإذا بوارو يدفع لي كأس الليمون . .

- ماذا هناك يا صديقي ؟ ماذا هناك ؟ قل لي

أخبرته بالأمر كلمة كلمة و أنا أرتعش , صاح بوارو :

- يا صديقي ! لقد عانيت كثيرا لكنني لم أكن أعرف شيئا من هذا فاطمئن , كل شيء على ما يرام
- هل ستجدها ؟ لكنها في أمريكا الجنوبية و حين نصلها تكون قد ماتت منذ زمن طويل , و الله وحده يعلم كيف ستموت
- لا , لا , انك لم تفهم , بل هي آمنة و في صحة حسنة , بل لم تقع في أيديهم بتاتا . .
- لكن البرقية من برونسين ؟
- لا , أنت لم تستلم منه برقية , ربما استلمت برقية من أمريكا الجنوبية باسم برونسين , هذا مختلف , قل لي : ألم يظهر لك أن منظمة مثل هذه ذات فروع في كل أنحاء العالم يمكن أن تضغط علينا بواسطة فتاة صغيرة مثل سندريلا التي تحبها كثيرا ؟
- لا , أبدا
- حسنا , أما أنا فقد عرفت ذلك و لم أقل لك شيئا لأنني لم أرد أن أزعجك من غير ضرورة , لكني اتخذت إجراءاتي الخاصة

إن رسائل زوجتك تبدو كأنها كتبت كلها من المزرعة , لكنها كانت في مكان آمن دبرته أنا منذ ثلاثة شهور . .

نظرت إليه طويلا . .

- حقا ؟
- أجل , إنما عذبوك بكذبة !

أدرت رأسي , وضع بوارو يده على كتفي , كان في صوته شيء ما لم أسمعه أبدا من قبل :

- أنت لا تحب أن أعانقك . . سوف أتصرف على الطريقة الإنكليزية , لن أقول شيئا أبدا , لكن دعني أقل : ما أسعد رجلا عنده صديق مثل صديقي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أريج الجنة
عامل قيد الترفيع
عامل قيد الترفيع
أريج الجنة


رقم العضوية : 6
17/04/2010
البلد : مصر
الجنس : انثى
المساهمات : 1155
نقاط : 105652
السٌّمعَة : 3
العمل/الترفيه طالبة جامعية
الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي M2

الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي   الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 23, 2010 10:48 pm

ميرسييييي
كتير حلوه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات عامل من تاميكو :: 

المنتديات الأدبية  :: منتدى الروايات والقصص الأدبية

-
انتقل الى: