منتديات عامل من تاميكو
نورت منتديات عامل من تامبكو بقدومك
أشرقت الأنوار بقدومك وتدفق النهر بإطلالك

وغردت الطيور بك فيا أهلا ويا سهلا بالقلب نبعثر

التراحيب ونزف استقبالنا معطر بالورد و الكادي

مملوء بالحب والشوق والمشاعر أتمنى لك ألاستفادة بيننا
فأهلا بك زائرنا الكريم ويشرفنا بتسجيلك
ستسعدنا بتسجيلك وإنضمامك إلى اسرة المنتدى
أحمد الزعبي
منتديات عامل من تاميكو
نورت منتديات عامل من تامبكو بقدومك
أشرقت الأنوار بقدومك وتدفق النهر بإطلالك

وغردت الطيور بك فيا أهلا ويا سهلا بالقلب نبعثر

التراحيب ونزف استقبالنا معطر بالورد و الكادي

مملوء بالحب والشوق والمشاعر أتمنى لك ألاستفادة بيننا
فأهلا بك زائرنا الكريم ويشرفنا بتسجيلك
ستسعدنا بتسجيلك وإنضمامك إلى اسرة المنتدى
أحمد الزعبي
منتديات عامل من تاميكو
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اهلا بك يا زائر في منتديات عامل من تاميكو
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
بحجابي افتخر
عامل قيد الترفيع
عامل قيد الترفيع
بحجابي افتخر


رقم العضوية : 26
20/07/2010
البلد : العراق
الجنس : انثى
العمر : 42
المساهمات : 638
نقاط : 105794
السٌّمعَة : 6
العمل/الترفيه موظفة
  : الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي  W610

الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي  Empty
مُساهمةموضوع: الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي    الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي  I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 23, 2010 5:30 pm

[color=darkblue][color=darkblue][size=18]
الجزء الثاني

الفصل السابع

كان الأنين المبعوث في أذني من غرفة جاري في الفندق قد أرق جفني فلم أنم , و كانت الشكوى المتقطعة التي أسمعها طوال الليل تحدث في نفسي أثرا عميقا يطرد عني النعاس و يملأ ليلتي أسفا و حزنا , إنها غرفة هاليدي التي نام فيها ليلة إطلاقه , بدا واضحا أن تجربته القاسية قد حطمت أعصابه و أخذت منه مأخذا عظيما !
و عجزنا في الصباح أ ننتزع من هاليدي شيئا , كان خائفا من انتقام هؤلاء الأشرار إذا تكلم , و كان متأكدا من القوة الهائلة التي يملكها الأربعة الكبار حتى بات يرفض النقاش في أمرهم

أكل غذاءه ثم سافر إلى إنكلترا حيث زوجته و طفلته الصغيرة

وجدت نفسي متحمسا للأحداث , و رأيت أن علي أن أواجه بوارو من قريب أو بعيد , لكن هدوءه الذي أزعجني جعلني أقول :
- أرجوك يا بوارو دعنا نفعل شيئا !
- حسنا يا صديقي فماذا نفعل ؟
- نخبرهم عن الأربعة الكبار
- نخبر من ؟
- الشرطة

تبسم بوارو ببرود ثم قال :
- انهم لن يصدقونا , سيتهموننا بالجنون ؛لأننا لا نملك دليلا نستدل به , دعنا ننتظر ..
- ماذا ننتظر ؟
- ننتظرهم حتى يقوموا بتجربة , انظر إلى لعبة الملاكمة , اللعبة المفضلة لديكم في إنكلترا : إذا لم يتحرك أحدهما فلا بد أن يتحرك الآخر و يسمح أحدهم لخصمه بالهجوم ليعرف طريقته و أسلوبه , و نحن الآن ندع الخصم يهجم ..

أوجست خوفا و ريبة من كلامه :
- هل تظن أنهم سيفعلون ؟
- بلا شك , لقد حاولوا إخراجي من إنكلترا . ثم جريمة دارتمور التي ترمز لها معان مقصودة , ثم دخلنا و أنقدنا ضحيتهم من المقصلة , و أمس تدخلنا مرة أخرى في خططهم , انهم لن يقفوا حتما ساكتين إزاء ما كل ما جرى

كنت في تفكيري أتأول كلمته حين طرق الباب , و من غير استئذان دخل رجل إلى الغرفة و أغلق الباب خلفه و جلس

كان رجلا طويلا نحيفا بشرته شاحبة أنفه معوج قليلا , كان يلبس معطفا مزررا حتى ذقنه و قبعة ناعمة تغطي عينيه . قال بصوت نام :
- عذرا أيها السيدان , قد دخلت دخولا غير لائق , لكن مهمتي خطيرة !

و جلس و هو يبتسم بخبث , فأثارني هذا الموقف و كدت أثب من مكاني لو لا أن بوارو منعني بإشارة من يده , ثم سأل هذا الزائر الثقيل :
- كان دخولك فظا كما قلت , فما هي مهمتك ؟
- عزيزي السيد بوارو , أريد أن أخبرك بصراحة , أنت تزعج أصحابي
- كيف ؟
- أنت تعرف كما أعرف يا سيد بوارو
- و من هم أصدقاؤك هؤلاء ؟

لم يجبه بل أدخل يده في جيبه فأخرج علبة لفائف سحب منها أربعا و نقرها على الطاولة ثم أعادها ..
- ها ها .. نعم , فالمسألة هكذا إذن ؟ و ماذا يقول أصدقاؤك ؟
- يقولون : (( عليك أن تعمل قدراتك الخارقة في غير هذا الشأن و أن تعود إلى حل مشاكل نساء المجتمع اللندني ))
- يبدو أنه برنامج سلمي ! و إذا لم أوافق ؟

حرك يده حركة فيها معنى مقصود واضح:
- طبعا ستأسف و تندم كثيرا , وسوف يحزن كل أصحاب السيد هيركيول بوارو العظيم حزنا لا ينفعهم لأن الحزن – مهما اشتد – لا يمكن أن يعيد للأموات الحياة !
- حسنا , هب أني موافق
- إذن أدفع لك تعويضا ..

و أخرج من جيبه المحفظة و أخرج منها عشرة أوراق كل واحدة من فئة العشرة آلاف فرنك ألقى بها إلى الطاولة ثم قال :
- هذا ضمان حسن النية فحسب , سوف تعطى عشرة أضعاف هذا !

أدركت أن الخصم بين أيدينا و أن الفرصة مناسبة لإخبار الشرطة من أجل أكبر انتصار في هذا الزمان , كان قلبي ينبض بقوة , شعرت بالهيجان و لم أعد أطيق انتظارا , و صرخت بعنف و أنا أقفز من مكاني :
- يا إلهي ! هل تظن ..؟

لكن بوارو أقعدني بقوة و قال بحزم :
- اجلس يا هيستنغز , اجلس مكانك .. ما رأيك يا سيد لو اتصلت الآن بالشرطة و صديقي يمنعك من الهروب ؟
- على كل حال افعل إن كنت تظنه من الحكمة ..
- صرخت : لا أستطيع أن أحتمل أكثر .. انظر ..

نهضت بسرعة و خطوت خطوات كبيرة إلى الباب و ألصقت ظهري به , همس بوارو :
يبدو أن هذه هي الطريقة المثلى

فقال زائرنا و هو يبتسم :
- لكنك لا تثق بها , أليس كذلك ؟

و قلت بإصرار و عزم :
- هيا يا بوارو لا تتأخر !

رفع بوارو السماعة فقفز الرجل قفزة مفزعة تشبه قفزة القط لكنها إلي , كنت على أهبة له فالتحمنا بعراك شديد أشبه بالمصارعة , و شعرت فجأة أنه ضعيف جعل يهوي بين يدي فزادني همة حتى طرحته أرضا و شعرت بنشوة النصر , و أخذ خيالي يطوف في نهاية مسرحية ..

ثم كان شيء غير عادي : وجدتني مقذوفا و رأسي يضرب بالحائط , نهضت مدهوشا أبحث عن خصمي الذي اختفى , ركضت نحو الباب فوجدته مقفلا علي , أسرعت إلى الهاتف :
- مكتب الاستقبال ؟ أمسكوا الرجل قبل أن يخرج , رجل طويل يلبس معطفا طويلا مزررا و قبعة ناعمة , انه مطلوب للشرطة

مضت بضع دقائق قبل أن أسمع صوت المفتاح في الباب , كان مدير الفندق , و صرخت صرخة مجنون :
- الرجل هل أمسكتموه ؟
- لا يا سيدي لم نر أحدا ..
- كيف وقد مر بك الآن ؟
- لا يمر بي أحد بتاتا ..
- بوارو : أظن أنكم مررتم بشخص ما ربما يكون موظفا هنا ؟
- نادل يحمل طبقا لا غير يا سيد
- نعم , هكذا إذن ..

كانت الدهشة تملأ جو الفندق و الحيرة تراها في وجوه المسؤولين و خاض الناس في شك وتكذيب , لكن المسألة قد فهمها بوارو فقال بثقة :
- من أجل هذا يلبس معطفا مزررا حتى ذقنه

همست بخجل و أنا أحس بالهزيمة :
- كنت أظن أني أسقطته أرضا !
- نعم كانت خدعة يابانية , لا تثريب عليك يا صديقي , كل شيء سار حسب الخطة , خطتهم قطعا , و هذا ما كنت أريده

صرخت حين رأيت محفظة على الأرض , التقطتها بلهفة , إنها من أثر المعركة , لا بد أنها سقطت من جيب زائرنا العزيز !

كان فيها فاتورة باسم السيد فليكس لون , وورقة أخرى صغيرة من دفتر الملاحظات كتب عليها بخط غير واضح بالرصاص , كانت هذه الكلمات مثيرة لنا :
(( اجتماع المجلس القادم يوم الجمعة , الساعة 11 صباحا : 34 – شارع إيشيلير))
و إمضاء رقم ((4)) بخط كبير

و كنا في يوم الجمعة , و الساعة 10.30 , صرخت بذهول :
- يا إلهي إنها فرصة ثمينة , الأمور الآن بأيدينا , يجب أن نبدأ من هذه اللحظة .. لعل الحظ في هذه المرة كان لنا

همس بوارو كأنما يحدث نفسه :
- انه جاء من أجل ذلك , أكاد أفهم كل شيء ..
- ماذا فهمت ؟ يا بوارو متى ستكف عن محادثة نفسك ؟

نظر بوارو إلي نظرة إشفاق ثم ابتسم :
- ((قالت العنكبوت للذبابة :هلا دخلت بيتي يا عزيزتي ؟ )) هذا نشيد الأطفال عندكم يا معشر الإنكليز , أليس كذلك ؟ الحذر الحذر يا صديقي , انهم ماكرون دهاة و لكن ليس بدهاء هيركيول بوارو
- لا أفهم شيئا مما تقوله يا بوارو !
- ما زلت أسائل نفسي عن زيارة الصباح هذه , هل كانوا يأملون بالنجاح في رشوتي أم هي زيارة ترهيب لأخافهم و أترك مهمتي ؟ لكني الآن فهمت الحقيقة , إنها خطة ماكرة بلا شك و محكمة في الوقت نفسه , الظاهر هو الرشوة أو الترهيب , و المعركة كانت من أجل أن يكون سقوط المحفظة أمرا محتوما و أخيرا المصيدة : شارع إيشيلير , الساعة 11 صباحا , لكن القبض على هيركيول بوارو ليس سهلا , فليعلموا !

عرفت أني ساذج و بليد فقلت :
- يا إلهي! انهم يعلمون الشياطين المكر و الدهاء
- لكن فيها لغزا آخر : الوقت : لماذا لم يختاروا الليل ؟ أليس الليل أحسن لهم ؟ لماذا السعاة الحادية عشر صباحا ؟ هل في هذا الصباح كيد يدبرونه لا يريدون أن يعرفه بوارو ؟

كان بوارو في نوبة من الحيرة و القلق , ثم هز رأسه و قال :
- إنني ماكث هنا و لن أغادر هذا الصباح , دعنا ننتظر , سوف نرى

كان الزمن يمر بطيئا ثقيلا كأن الساعة لا تتحرك , كان في رأسي خيال كثير و حوادث , كنت أشعر أحيانا بالعجز و الضعف عن المواجهة , و أحيانا أخرى بالإخفاق في أن أفهم ما يجري

الساعة الآن الحادية عشر و النصف و لم يحدث أي جديد ..

طرق الخادم الباب و سلم ورقة صغيرة زرقاء اللون لبوارو .. إنها من مدام أوليفير تطلب منه الحضور فورا ..

و نهضنا مسرعين إلى مدام أوليفير دون تأخير , و استقبلتنا في المجلس الذي قعدنا فيه أمس , ووجدتني في دهشة مرة أخرى من شخصية هذه المرأة القوية صاحبة الوجه الذي يشبه وجه الراهبة , إنها سدت الخلل الذي كان وراء مدام كوري و بيكريل , ذات هالة علمية مذهلة و عين متوقدة تكاد تسيطر على محدثها بنظرة ثابتة من طرفها , بادرت بالقول :
- أمس قابلتماني من أجل هاليدي و بعد انتهاء المقابلة علمت أنكما دعوتما إينز سكرتيرتي , لكن دهشتي أنها غادرت القصر معكما و لم ترجع حتى الآن !
- هذه هي القضية أم عندك أمر آخر ؟
- كلا , بل الخطير أن اقتحاما تم الليلة الماضية للمختبر و اختفت أوراق و مذكرات قيمة , و لقد حاول اللصوص سرقة أي شيء آخر أشد خطرا , لكن الخزانة – من حسن الحظ – كانت مقفلة بإحكام ففشلوا أن يفتحوها !
- يجب أن علمي الحقيقة يا مدام : إن سكرتيرتك مدام فيرونوا هي الكونتيسة روساكوف اللصة المحتالة المشهورة , و هي المسؤولة عن اختفاء هاليدي , لكن كم مضى عليها و هي تعمل عندكم ؟
- منذ خمسة شهور تقريبا , ولكن هذا يدعو إلى الذهول !
- إنما هي الحقيقة , هل كان العثور على الأوراق سهلا أم أنه عمل يدل على معرفة سابقة ؟
- الأمر العجيب أن اللصوص كانوا يعرفون بغيتهم تماما , هل تظن أن مدام إينز .. ؟
- نعم لا شك أنها كانت الدليل , لكن ما هو الشيء الثمين الذي فشل اللصوص في سرقته ؟ جواهر ؟
:3f7f5ccfb0:الفصل الثامن

بعد تلك المغامرة الرهيبة في فيلا باسي لم نعد نطيق المقام في باريس فانطلقنا مرتحلين إلى إنكلترا على عجل , و هناك وجد بوارو كومة من الرسائل بانتظاره , قرأ إحداها و البسمة على وجهه , ثم دفعها إلي و قال :
- اقرأ هذه الرسالة

كانت الرسالة مذيلة بإمضاء آبي ريلاند , فذكرت أنه ذاك الرجل الذي وصفه بوارو بأنه أغنى رجل في العالم , و كانت تعرب عن قلق ريلاند لأن بوارو تخلى عن قضية أمريكا الجنوبية في آخر لحظة , قال بوارو :
- هذه الرسالة تجعلني أبذل مزيدا من التفكير المتواصل العميق , أليس كذلك ؟
- لكن من الطبيعي أن يبدي الرجل أسفه , و له الحق أن يغضب
- لا يا هيستنغز , أنت ثقيل الفهم , ألا تذكر كلمات مايرلنغ , ذلك الرجل الذي فر إلينا من الموت ووجد الموت في انتظاره عندما قال : رقم ((2)) رمزه حرف (($)) و عليها خطان علامة الدولار الأمريكي أو شريطان و نجمة , و هكذا نحدس أن يكون أمريكيا و أنه يمثل قوة الثروة , زد عليه أنه عرض علي قدرا سخيا من المال من أجل إغرائي بالخروج من إنكلترا , ماذا تفهم من ذلك يا هيستنغز ؟

قلت و أنا أنظر إليه نظرة أبله :
- هل تقصد أنك تشك في آبي ريلاند صاحب الملايين أنه رقم ((2)) من الأربعة ؟
- قد بدأت تفهمني قليلا يا هيستنغز . نعم , إني أشك فيه , المشهور عن ريلاند أنه رجل ثري و قوي لكنه عديم الضمير , رجل يملك كل الثروة و سلطته لا حدود لها لكنه لئيم و غليظ في المعاملة , لا يستطيع أحد أن يقف في وجهه لأن عنده قوة خارقة !
- متى كنت تجزم بهذا الاعتقاد ؟
- إنها فكرة مجردة تجول في خاطري , ليس لدي دليل يثبت هذه الفكرة , لكنني مستعد لأقدم كثيرا كثيرا من أجل معرفة ذلك , و أنا أظن أن النظرية التي تقول أن رقم ((2)) هو ريلاند سوف تساعدنا على الاقتراب من الهدف
- تستطيع أن تزوره و تعتذر منه
- ربما كان سهلا أن أفعل ذلك

بعد يومين عاد بوارو إلى المنزل و هو مصاب بالدهشة و الانفعال , ثم أمسك بي بكلتا يديه كما يفعل عادة عند تحمسه و قال :
- يا صديقي , إنها مناسبة مذهلة حقا ربما لا تتكرر أتت من غير تدبير , لكن فيها خطورة و مغامرة حتى إني أكاد لا أطلب منك المحاولة
- إذا كنت تحاول أن تلقي الروع في صدري فإني أظنك تسير في الاتجاه الخطأ يا بوارو

و بعد أن هدأ قليلا و خف تحمسه كشف خطته التي تقتضي أن أتقدم بطلب عمل لدى آبي ريلاند بعد أن أعلن أنه يحتاج سكرتيرا إنكليزيا من ذوي النمط الاجتماعي الراقي و ذوي الكفاءة العالية و الحضور المتميز . قال بوارو يعتذر :
- ربما أستطيع أنا أن أدبر نفسي , لكن الأمر يبدو صعبا : أن أتكلف دور المحتاج و أنكر شخصيتي المشهورة , ربما كنت أتكلم الإنكليزية بطلاقة و لكن سيكون علي أن أضحي بشاربي .. و حتى لو تخليت عن شاربي أيضا سأظل معروفا أنني هيركيول بوارو

وافقته أن الأمر عسير عليه و أعلنت استعدادي و رغبتي في اختراق بيت ريلاند و أنني أطمح للنجاح

- سوف أهيئ لك الشهادات التي تجعل ريلاند يلعق شفتيه , سآتيك بورقة من وزير الداخلية نفسه , سأجعله يحط على يدي كعصفور أتى لينقر كسرة الخبز

كانت الخطوة الأولى أن نذهب إلى فنان في المكياج . حدق المزين بي مليا و هو صامت , و كنت أنظر ألي رأسه الصغير و حجمه الضئيل مثل هيركيول بوارو , ثم بدأ صنعته بجد و همة

بعد ساعتين تقريبا قمت إلى المرآة فنظرت فأذهلني مشهد نفسي , حذاء خاص جعلني أطول بإنشين , و معطف طويل أبدو فيه نحيفا طويلا , لقد تغير شكل حاجبي و ملامح وجهي مختلفة تماما , اختفى شاربي و ظهر من جانب فكي الأيمن سن ذهبية , تحول لوني من السمرة إلى البياض , إن المظهر بلا شك ذو قدرة على الخداع , نظر بوارو و قال :

- اسمك هو آرثر نيفلي , يحفظك الله يا عزيزي , أرجو الله أن ينجيك من الخطر

في فندق سافوي , في الموعد الذي حدده آبي ريلاند قدمت نفسي ..

قادوني إلى غرفة علوية حيث كان يجلس رجل طويل خلف طاولة ضخمة , لقد بدا نحيفا طويلا و له ذقن بارزة و أنف معقوف قليلا , عيناه اللامعتان تكادان تختفيان تحت حاجبين غليظين . أما شعره فقد كان رماديا غزيرا , و كان في فمه سيغار طويل لا يكاد يتركه

كان يتكلم بطريقة فظة من طرف من فمه , و كان يمن على محدثه بعدد الكلمات , بل يشعره أنه يتفضل عليه بالحديث :
- اجلس

جلست و كان قلبي يدق عنيفا حتى خشيت أن يسمع دقه , كان أمامه رسالة يبدو أنها بخط وزير الداخلية :
- في هذه الرسالة أنك ثقة , فهل تجيد المجاملة الاجتماعية ؟
- أظن أنني أستطيع إرضاءك في هذا
- لو كان عندي جماعة فيهم الدوق و الأيرل و الفيكونت يجتمعون في بيتي الريفي , هل تستطيع أن تجلسهم كلا في مقعده المناسب ؟
- بكل سهولة يا سيدي

تبادل معي حديثا قصيرا ثم أشعرني بالموافقة , ووجدت نفسي مستخدما عنده , فقد كان ريلاند يريد سكرتيرا مطلعا على خفايا المجتمع الإنكليزي حيث كان عنده سكرتير آخر أمريكي و كاتبة اختزال

ثم بعد يومين توجهت إلى هاتون شيز مركز دوق مقاطعة لوشير الذي استأجره ريلاند ستة أشهر , و هناك لم أجد صعوبة في تأدية واجبي ؛ فقد عملت – ذا ت يوم – سكرتيرا لأحد أعضاء البرلمان

كان ريلاند يستضيف نخبة من كبار الناس في نهاية كل أسبوع , أما سائر أيام الأسبوع فكانت هادئة نسبيا , و كان في البيت ثلة من الموظفين : كبير الخدم و مدبرة المنزل و الطاهي و خدم و خادمات , و حاولت إمعان النظر فيهم جميعا و معرفتهم عن قرب , فكنت أشعر بالريبة بكبير الخدم , أما الشاب الأمريكي السيد أبلباي فقد بدا مرحا يثق بنفسه و يتقن عمله باقتدار

ديفز الخادم الخاص للسيد ريلاند الذي أحضره من نيويورك شخص غامض و نفسي تمتلئ شكوكا فيه , و كان عنده سيدة ثقة

و اجتهدت أن أتقرب من الآنسة مارتن كاتبة الاختزال , تلك الفتاة التي تسحرك . كانت في الثالثة و العشرين تقريبا , لها عينان عسليتان و شعر خروبي مسترسل , كانت فتاة لعوبا رغم محاولاتها أن تحتشم . حاولت كسب ثقتها لا سيما بعد أن تبين لي أنها تكره سيدها و لا تثق فيه

مكثت في هاتون شيز ثلاثة أسابيع , و كانت حياة هادئة لا حوادث فيها , حيث لم أستطع أن أعرف شيئا يستحق الذكر , و بدا ريلاند في نظري شخصية ذات مكانة اجتماعية متميزة لها القدرة على التأثير , و لا يبدو أنه على صلة بمنظمة الأربعة الكبار , و كانت تترسخ في نفسي قناعة أن بوارو قد أخطأ في ظنه الجائر الذي يربطه بهذه المنظمة المشبوهة الى أن سمعته مرة يذكر بوارو حين يأكل عشاءه في إحدى الأمسيات :

- يقولون انه رائع ذاك الرجل الصغير , لكني وجدته انهزاميا ! اتفقت معه على صفقة و لكنه رفضها في الدقيقة الأخيرة , إني لا أود معاملة صاحبك هيركيول بوارو مرة أخرى !

في تلك اللحظة شعرت بزيف ( المكياج ) الذي يكسو وجنتي ...

ثم حصلت على قصة مثيرة عندما سافر ريلاند و معه أبلباي , فقد كنت أسير في الحديقة مع الآنسة مارتن بعد شرب الشاي , كانت الفتاة تبدو طبيعية جدا و غير منفعلة , لكني كنت ألمح أسرارا و أحاديث تجول في رأسها , و أخيرا قالت :
- هل تعلم يا ميجر نيفلي أنني أفكر في الاستقالة من عملي في هذا المكان ؟

ظهرت علي علائم الدهشة فيما تابعت هي قائلة :
- آه ! أدرك أن كثيرا من الناس سينعتونني بالحماقة ؛ انهم يحسدونني على هذه الوظيفة , لكني ما عدت قادرة على التحمل المزيد من الشتائم , لا أحد يصدق أن مثل هذه الأفعال تصدر عن مثل هذا الشخص العظيم !
- و هل يسيء لك ريلاند ؟
همس بوارو مستغرقاً: الخادم الخاص الصيني آه لِنْغ . . .
- يوم الثلاثاء من الأسبوع الأخير اشتكى السيد باينتر ألماً معوياً بعد العشاء فأرسل أحد خدمه ليحضر الطبيب، وعندما حضر الطبيب استقبله السيد باينتـر في مكتبه رافضاً أن يذهب إلى السرير، ولم يعرف أحد ما جرى بينهما من حديث، لكن الطبيب كوينتين طلب أن يرى مدبرة المنزل، وذكر أنه أعطى السيد باينتر إبرة تحت الجلد لأن قلبه في ضعف شديد، وأوصى بألا يزعجه أحد، ثم بدأ بأسئلة كثيرة عن الخدم: متى عملوا هنا؟ ومن أين جاؤوا؟ . . . إلخ.

أجابت مدبرة المنزل أسئلته قدر استطاعتها، وكانت تعتريها الحيرة والدهشة من مغزى هذه الأسئلة.

وفي اليوم التالي حدث شيء مرعب، فبينما كانت إحدى الخادمات تتجول في أطراف المنزل إذ شمت رائحة لحم محترق مقززة، وحين بحثت عن مصدر الرائحة عرفت أنها من مكتب سيدها، حاولت فتح الباب لكنها وجدته مقفلاً من الداخل، وبمساعدة جيرالد و الرجل الصيني تمّ اقتحام المكتب، ليجد القوم أنفسهم أمام منظر رهيب: لقد سقط السيد باينتر في موقد الغاز و قد احترق رأسه و وجهه حتى ليكاد يستحيل التعرف إليه!

في تلك اللحظة لم يَقَعْ أيّ اشتباه، وإن لم يكن بدٌّ من لومٍ فأولى الناس باللوم هو الدكتور كوينتين الذي حقن مريضه مخدراً وتركه في هذه الحال الخطيرة.

ثم بعد ذلك تم كشف شيء يثير الفضول: كان على الأرض عند الكرسي الذي كان يجلس عليه الرجل العجوز صحيفة ملقاة يبدو أنها قد انزلقت عن ركبتيه وقد كتب عليها بخط يد كبير ضعيف بضع كلمات ووجد إصبع السبابة في اليد اليمنى للضحية ملطخاً بالحبر، ولا بد أن الضحية كان في حال ضعف شديدة فلم يَقْوَ على الإمساك بالقلم فعمد إلى سبـابته يضعها في الحبر وكتب هاتين الكلمتين على سطح الصحيفـة التي كانت بين يديه، والكلمتان واضحتان تماماً: ((ياسمين أصفر))!

لوحظ أن جدار المنزل كان ينمو عليه الياسمين الأصفر، وهذا دعانا أن نقول بأن رسالة الاحتضار ذات علاقة بهذا النبات، مما يوضح أن عقل العجوز كان يخرف، لكن الصحف جعلت من الحادث قصة مثيرة وأسمتها ((لغز الياسمين الأصفر)) وإنْ لم تَبْدُ حقيقة في هذه الأهمية.

قال بوارو: تقول بأنها غير هامة؟ حسناً، إذا كنت تظن أنها غير هامة فهي كذلك.

نظرت إليه بارتياب شديد، فقـد عودني على التهكم المـرير ولكني لم أقرأ السخرية في عينيه، وأكملت الأحداث:
- وبعدها بدأت فصول تحقيق القضية والبحث فيها. .
- أدرك أنك هنا بدأت تلعق شفتيك. .
- كان هناك شعور كبير بأن المتهم هو الدكتور كوينتين أولاً؛ فهو لم يكن الطبيب المعتمد، بل كان طبيباً طارئاً بدل الدكتور بوليثو الذي كان يقضي إجازة بعيداً.

وهناك إحساس أن الإهمال هو سبب المأساة الأول، لكن أقوال الدكتور كانت مختصرة ومثيرة، فقد كان السيد باينتر يشعر بوعكة صحية خفيفة منذ وصوله إلى كروفت لاند، وأشرف على علاجه الدكتور بوليثو، وعندما رآه الدكتور كوينتين أول مرة كان متحيّراً تجاه بعض الأعراض، و لدى انفراده بالسيّد باينتر أطلعه على أمر غريب، فهو لم يكن يشعر بأي مرض على الإطلاق، إلاّ أن طعم الكاري الذي أكله على العشاء كان في غاية الغرابة، لدرجة أنه اضطر- وقد استبدّ به الشك- أن يختلق بعض الأعذار ليصرف آه لنغ بضع دقائق تمكّن خلالها من سكب محتويات صحنه في السلطانية.

وعلى الرغم من قوله أنه لم يشعر بالمرض، لاحظ الطبيب أن السيد باينتر كان يعاني من أثر الصدمة فقرّر إعطاءه إبرة سترايكـنين.

وتوقفت عن سرد أحداث القصة قليلاً قبل أن أختتم معلّقاً:
- أعتقد أن في ذلك تمام القضيّة، ولا يبقى غير الإشارة إلى النقطة الأساسية في الموضوع، وهي أن الكاري الذي لم يؤكل قد أُخضِع للتحليل فعثر فيه على كمية من الأفيون تكفي لقتل رجلين! وسكتّ، فسأل بوارو بهدوء:
- وما رأيك يا هيستنغز؟
- من الصعب القول بأنه حادث وكذلك محاولة سُمّه في الليلة السابقة ربما تكون مصادفة.
- لكنك لا تظن ذلك. . . إنك تعتقد أنها جريمة قتل.
- ألا تعتقد أنت ذلك أيضاً؟
- نحن، يا صديقي هيستنغز، نفكر بطريقة مختلفة، أنا لا أحاول أن أقرر أحد حلّين مختلفين: إما القتل أو القدر، سيأتي ذلك بعد أن نحلّ لغز الياسمين الأصفر، انظر هناك، شيء ما عند الكلمتين!
- تقصد الخطين اللذين عن اليمين؟ لا أظنهما مهمين. .
- ربما هذا لك وحدك، دعنا ننتقل من لغز الياسمين الأصفر إلى لغز التوابل الهندية.
- السؤال: من الذي سممه؟ ولماذا؟ عندي مئة سؤال تحتاج جواباً، الذي أعد الطعام هو آه لنغ لكن لماذا يرغب في قتل سيده؟ هل هو عضو في جمعية سرية صينية ربما يكون اسمها جمعية الياسمين الأصفر؟ ثم هناك جيرالد باينتر!

هز بوارو رأسه و قال:
- نعم، جيرالد باينتر وريث عمه، ثم إنه أكل عشاءه خارجاً ذلك اليوم.
- ربما كان مطّلعاً على الأمر فحرص أن يأكل عشاءه في الخارج لكي لا يأكل الوجبة.

شعرت أن تفسيري أشغل بوارو فنظر إليّ نظرة احترام أكثر من قبل و حاولت الاسمرار في نظريتي:
- عاد متأخراً ورأى النور في مكتب عمه فعلم أن خطته فشلت فدفع الرجل العجوز في موقد الغاز.
- السيد باينتر كان في صحة جيدة وما كان يمكن أن يسمح بأن يُحرق حتى الموت دون أن يبدي مقاومة، هذا الرأي غير راشد.
- أظن أننا اقتربنا من الحل، دعنا نرى رأيك في المسألة.

انتفخ بوارو مغروراً وألقى نحوي ابتسامة ثم قال:
- هب أنها جريمة قتل، فإن السؤال هو: لماذا اختار القاتل هذه الطريقة ليقتله؟ ربما يكون الجواب: من أجل إخفاء الهوية، لقد احترق الوجه حتى لا يمكنك معرفته. هل تكون جثّة رجل آخر؟ لكن الجواب الراجح هو النفي.

ثم هناك أشياء أخرى تحتاج تحقيقاً وبحثاً، لكن يجب ألا أسمح لهاجس الكبار الأربعة أن يسيطر على عقلي، ومن الخطر أن يجعل الإنسان نفسه أسيراً لفكرة واحدة، ولقد تمعنت بالخطين المرسومين فوجدتهما بداية الرقم ((4)).

علا صوتي بضحكة سخرية قائلاً:
- لله درك يا بوارو!
- أليس ذلك سخيفاً؟ إنني أرى الأربعة الكبار في كل مكان. .
ها هو جاب قادم إلينا. .
الفصل العاشر


كان مفتش سكوتلاند يارد يقف على الرصيف , و حيانا بشدة عندما قدمنا إليه , و بدت على محياه بسمة عريضة ثم قال:
- حسنا يا سيد بوارو , لقد أيقنت أنك ستقحم نفسك في هذا اللغز المحير , انه لغز من الطراز الأول , أليس كذلك ؟

ثم انطلقت بنا سيارة جاب تنهب الأرض نحو كروفت لاندز

كان البيت أبيض جميلا تحيط به الأشجار و النباتات المتعرشة و فيها الياسمين الأصفر اللامع وكنت أشعر بظلال من الكآبة تخيم على المنزل , و كان صمت الأشجار موحشا , و الورود تتمايل بحزن كأنما ترثي صاحب المنزل

وكان الياسمين الأصفر يشد العيون ؛ لأن اسمه كان عنوان اللغز .. يبدو أن الرجل كان ذاهلا حين كتب هذا , إنها كلمات لا معنى لها و لا تفيد شيئا

ابتسم بوارو و قال :
- ما الذي تراه يا سيد جاب ؟ حادث أم جريمة ؟

بدا المفتش مرتبكا محرجا أمام سؤال بوارو :
- إذا نفينا أثر تلك التوابل الهندية و لم يثبت أنها هي السبب في الوفاة فإني أميل إلى الرأي القائل بأنه حادث ؛ لأني أستبعد أسلوب القتل بوضع رأس رجل حي في النار : ألا ترى أنه كان سيملأ البيت صارخا ..

قال بوارو يحدث نفسه :
- آه لقد كنت أحمق , أحمق ثلاث مرات , انك أذكى مني يا جاب !

فوجئ جاب بهذا المديح .. كان بوارو دائما يمدح نفسه و يسخر من غيره , و احمر وجه جاب و كانت شفتاه تتلعثم بكلمات غير مفهومة تشير إلى الريبة و الشكوك في نفسه في صدق بوارو عند مدحه

دخلنا المنزل متجهين عبر ردهاته إلى الغرفة التي حدثت فيها المأساة : مكتب السيد باينتر , كانت غرفة واسعة , جدرانها تنوء بحمل الرفوف الملأى بالكتب العتيقة

نظر بوارو عبر الشباك إلى حديقة خلفية فيها حصباء , ثم سأل :
- هل كان مزلاج الشباك مفتوحا ؟
- يبدو أن القضية كلها هنا ؛ لأن الطبيب حين خرج أغلق الباب خلفه , و في صباح اليوم التالي وجد مقفلا من الداخل , من الذي أقفله ؟ هل هو السيد باينتر نفسه ؟ آه لنغ أكد أن الشباك كان مغلقا بالمزلاج , و الدكتور كوينتين قال بأنه كان يشك أن الشباك كان مغلقا لكن ليس بالمزلاج , لكنه لم يتأكد , ولو تأكد لأدى ذلك إلى خلل خطير !

فإذا كانت جريمة قتل فلا بد أن يدخل القاتل من الباب أو الشباك , و إذا كان الشباك فمن الأرجح أن الفاعل شخص من الخارج , و ربما فتحوا النافذة على مصراعيها حين كسروا الباب , و الخادمة التي فعلت هذا تقول بأن النافذة لم تكن مقفلة بالمزلاج , لكنها شاهدة سيئة جدا : لا تتذكر إلا ما يطلب منها أن تتذكره

- و ماذا عن المفتاح ؟
- وجد على الأرض بين حطام الباب , و قد يكون سقط من القفل عند الاقتحام ,و ربما أسقطه شخص ما حين دخل , أو يكون دخل من تحت الباب من الخارج
- يبدو أن كل شيء عندك ((قد يكون ))

كان بوارو يبحث عن نقطة وسط الركام , و كان وجهه عابسا مقطبا لأنه لم يجد ما يريد , ثم قال :

- إنني أدور في ظلام دامس , كلما لمحت ومضة سرعان ما تنطفئ !

جاب- بتجهم - : جيرالد الصغير لديه باعث قوي , أستطيع أن أقول بأنه كان متوحشا متهورا , الفنانون – كما تعرف – لا خلق لهم !

لم يبد بوارو اكتراثا بهجوم جاب القاسي على الفنانين , لكنه ابتسم ابتسامة ذات مغزى كأنه عرف ما في نفس المفتش و قال له :
- يا جاب الطيب , هل تظن أنك تستطيع أن تدر الرماد في عيني ؟ إنني على يقين أن أفكارك تتجه بالشك نحو الرجل الصيني لكنك داهية , تريد أن أساعدك و أنت تخادعني !

انفجر جاب ضاحكا :
- هكذا أنت دائما يا سيد بوارو , نعم أعترف أني أراهن على الشاب الصيني فهو الذي عبث بالكاري , و إذا كان قد حاول التخلص منه مرة فقد يحاول مرة أخرى
- لكن السؤال هو : هل حاول ذلك حقا ؟
- الذي يؤرقني هو الباعث , لعله انتقام همجي لا باعث له !
- سؤال آخر : هل هناك أثر للسرقة ؟ هل اختفت أشياء ثمينة ؟ جواهر , أموال , أوراق ؟
- كلا , أعني .. ليس تماما !

أصغيت بانتباه شديد , وكذلك بوارو . و أكمل جاب موضحا :

- أقصد لم تحصل سرقة , لكن العجوز كان يكتب كتابا ما , لقد عرفنا عنه هذا الصباح حين وصلت رسالة من الناشرين يسألون عن المخطوطة , حاولت البحث عنها بمساعدة باينتر الصغير فلم نجد شيئا , ربما يكون قد خبأها في مكان ما ..

لمعت عينا بوارو بالضوء الأخضر الذي كنت أعرفه جيدا و سأل :
- ماذا كان يسمى ؟ أعني .. هذا الكتاب ؟
- كما أذكر أن اسمه : (( اليد الخفية في الصين ))

صفر بوارو و قد أخذته النشوة , ثم قال بسرعة :
- دعني أر الرجل الصيني آه لينغ

أرسل جاب في طلب الصيني , فجاء يجر قدميه متثاقلا و ضفيرته تتأرجح على ظهره , كان وجهه جامدا لا تلمح في أثر للعاطفة , خاطبه بوارو :

- آه لينغ . هل أنت آسف لموت سيدك ؟

أجاب بلغة إنكليزية ركيكة :
- طبعا إني آسف جدا , انه رجل طيب !
- هل تعرف من قتله ؟
- لا , ولو كنت أعرف لأخبرت الشرطة

استمرت الأسئلة والأجوبة و الوجه الجامد نفسه لم يتغير , و تحدث آه لينغ عن الكاري الذي طبخه بنفسه , و أوضح أن الطاهي لم يكن له يد بذلك و لم تلمسه أي يد إلا يده هو , و كنت أتساءل : هل كان يعرف أين سيقوده اعترافه ؟ , و قد أبدى دهشته هو أيضا من فتح النافذة , و أخيرا صرفه بوارو قائلا :

- هذا يكفي يا آه لينغ

و لكنه ناداه حين وصل إلى الباب :
- وهل تعرف شيئا عن الياسمين الأصفر ؟
- لا ,و ماذا يجب أن أعرف ؟
- و لا عن الإشارة التي كتبت تحتها ؟

سأله بوارو وهو يميل برأسه نحو الطاولة و قد لمحت عيناه شيئا مكتوبا وسط الغبار المتراكم عليها , فقد كتب بوضوح رقم ((4)) !

أصاب الرجل الصيني رعب لمحه في وجهه كأنه أصيب برعشة كهربائية , ثم عاد جامد الوجه مرة أخرى و تراجع وهو يكرر إنكاره الشديد
ذهب جاب يبحث عن باينتر الصغير و تركنا وحدنا , صرخ بوارو :
- الأربعة الكبار مرة أخرى يا هيستنغز , باينتر كان جوالا كثير السفر , و بلا ريب كانت لديه المعلومات الخطيرة التي تخص الزعيم و العقل المدبر لمجموعة الأربعة الكبار لي شانغ ين !
- و لكن كيف ؟ ومن ؟
- صه , هاهم قادمون ..

كان جيرالد باينتر شابا لطيفا ضعيف الجسم , تزين وجهه لحية بنية لطيفة , و كان يلبس ربطة عنق غريبة , أجاب عن أسئلة بوارو باستعداد تام .. أوضح قائلا :
- أكلت العشاء في الخارج مع بعض جيراننا من بيت ويشرليز
- متى عدت إلى البيت ؟
- حوالي الساعة الحادية عشر , معي مفتاح المزلاج , جميع الخدم كانوا قد ذهبوا للنوم , و ظننت أن عمي نام أيضا . أذكر أنني لمحت ذاك المتسول الصيني صاحب القدم الطرية آه لينغ وهو يتحرك بخفة حول زاوية القاعة , لكنني أظن أنني كنت مخطئا
- هل تذكر آخر مرة رأيت فيها عمك , أقصد قبل أن تأتي لتعيش عنده ؟
- آه ! لم أره منذ كنت طفلا في العاشرة عندما تشاجر مع أبي !
- لكنه استطاع أن يجدك مرة أخرى ببعض الصعوبة , أليس كذلك ؟
- بلى , و قد رأيت أن إعلان المحامي في الجريدة عن طريق الحظ !

لم يسأله بوارو أسئلة أخرى , ثم انطلقنا نحو الطبيب كوينتين فكانت روايته هي نفسها دون إضافة تذكر , فقال :

- يا ليتني أستطيع أن أذكر شيئا عن النافذة , و من الخطورة التفكير في الماضي , فقد يقنع المرء نفسه بوجود أشياء لم تكن موجودة قط .. هذه ناحية نفسية , أليس كذلك يا سيد ؟ لقد قرأت عن أساليبك و أنا معجب بك كثيرا .

أستطيع أن أؤكد أن الرجل الصيني هو الذي وضع الأفيون في الطعام , و لكنه لن يعترف و لن نعرف نحن أبدا لماذا , لكن وضع رجل في النار لا يليق بشخصية رجلنا الصيني .. هذا ما يبدو لي !

كان جاب يجري مراقبة حثيثة لكلا الشخصين منذ رؤية الجثة , وحاولت أن أقدم رأيي في بعض جوانب القضية , فقلت :
- أظن أن جيرالد باينتر لا صلة له بالجريمة

سخر بوارو و قال
- أنت دائما تعرف أكثر مما أعرف , وهذه هي المصيبة

ضحكت قائلا :
- أيها الثعلب العجوز, لن تتغير أبدا !
- حتى أكون أمينا يا صديقي فان القضية أصبحت واضحة تماما ما عدا كلمتين : (( الياسمين الأصفر )) , و إني أظن أن هذين الشخصين لا يملكان قدرة على ارتكاب الجريمة معا , عليك أن تقرر : من الذي يكذب ؟..

كنا نمشي في الطريق , و فجأة اندفع بوارو من جانبي إلى مكتبة مجاورة ثم خرج منها بعد بضع دقائق وهو يحمل طردا , و ما لبث أن انضم إلينا جاب و مضينا نبحث عن مأوى في أحد الفنادق

و عندما استيقظت في صباح اليوم التالي كان الوقت متأخرا , و نزلت إلى غرفة الجلوس , فوجدت بوارو يذرع الغرفة ذهابا و إيابا بوجه عابس قلق , و حين رآني صاح وهو يلوح بيده :

- لا تتكلم معي , اصمت , حتى أتأكد أن كل شيء يسير على ما يرام , و أن الرجل قد اعتقل . إن من يكتب رسالة احتضار , يجب أن يكتب شيئا مهما جدا : الياسمين الأصفر , هل تعني شيئا ؟ يجب أن يكون كذلك

ثم أخرج كتابا صغيرا و قال : هذا الكتاب أخبرني .. اسمع :

- الياسمين الأصفر : جلسيميني راديكس : مركب جلسيميني قلوي , سم فعال مثل الكونين , الجلسميوم عقار مسكن فعال للجهاز العصبي المركزي , فإذا أخذت منه جرعات كبيرة تسبب الدوار و تضعف القوة العضلية , الموت يكون بسبب شلل مركز التنفس

هل تذكر يا هيستنغز منذ البداية حين أبدى جاب ملاحظته في دفع رجل حي في النار ؟ علمت بعدها أن الرجل الذي دفع إلى النار كان ميتا !

- لماذا ؟ لماذا ؟
- يا صديقي إذا أردت أن تقتل رجل بالرصاص و طعنته بعد الموت و ضربته على رأسه لكان واضحا أن ذلك تم بعد الوفاة , لكن حين يحترق الرأس حتى يصبح رمادا فلا أحد يستطيع تبين سبب الوفاة الصحيح . و الرجل الذي نجا من سم أثناء العشاء لا يجوز أن يتم تسميمه بعد ذلك فورا , من الذي يكذب ؟ هذا هو السؤال .. قررت أن أصدق آه لينغ
- ماذا ؟ هل جننت ؟
- هل أنت ذاهل يا هيستنغز ؟ آه لينغ يعرف وجود الأربعة الكبار , كان هذا واضحا , لكنه لم يكن يعرف درجة ارتباط تلك الجريمة بهم حتى هذه اللحظة , لو كان القاتل هو لاستطاع أن يظل جامدا بوجهه بصورة تامة , و لذلك قررت أن أصدقه و ركزت شكوكي على جيرالد باينتر . لقد بدا لي أن رقم ((4)) قد وجد أن التمثل بشخصية ابن الأخ المفقود منذ سنين سهل جدا !
- ماذا ؟ رقم ((4)) ؟
- لا يا هيستنغز , حين قرأت مسألة الياسمين الأصفر و ثبت الحقيقة أمام عيني في الحال
- كما تفعل دائما .. إنها لا تثب أمام عيني أنا لأنك لا تعمل خلاياك الرمادية , من الذي كانت له فرصة اعبث بالكاري الهندي ؟
- آه لينغ ولا أحد غيره
- لا أحد ؟ و ماذا عن الطبيب ؟
- لقد كان هذا فيما بعد
- فيما بعد , نعم , فعندما ثارت الشكوك في وجبة الكاري الهندي لم يأكل الرجل العجوز منها , و حفظها ليعطيها طبيبه المعالج , و تم استدعاؤه في الحال . الدكتور كوينتين يصل و يتولى أمر الكاري , ثم يعطي مريضه حقنة من الستركنين , و في الحقيقة هي من الياسمين الأصفر , و حين يبدأ فعل الدواء بالسريان يغادر بعد فتح مزلاج النافذة , ثم يعود عن طريق الشباك و يجد المخطوطة و يدفع السيد باينتر في النار

انه لم يلتفت إلى الصحيفة التي سقطت على الأرض من بين يدي الضحية . لقد عرف باينتر أي دواء أعطي له , و جاهد لكي يتهم الأربعة الكبار بقتله . من السهل على الدكتور كوينتين أن يخلط الأفيون بالكاري و يقدمه للفحص , و في أثناء روايته يذكر مسألة الستركنين عرضا حتى إذا ما تم كشف موضع الإبرة تحت الجلد يكون السبب معروفا سابقا , و في الحال ينقسم الاشتباه بين كونه حادثا و كونه ذنب الرجل الصيني آه لينغ بسبب الكاري الهندي

- لكن هل يكون الدكتور كوينتين هو رقم ((4)) ؟
- أجل يجوز بلا شك يوجد طبيب حقيقي اسمه كوينتين و ربما يكون في مكان ما في الخارج , لقد تنكر رقم ((4)) في شخصيته ببساطة , و التنسيق الذي تم مع الدكتور بولثيو من أجل العمل طيلة فترة الجازة تم تنفيذه كله عن طريق المراسلة ..

في تلك اللحظة دخل جاب ووجهه محمر جدا .. صرخ بوارو :
- هل أمسكت الرجل ؟
- لا , لقد عاد بولثيو من إجازته هذا الصباح و تبين أنه قد استدعي ببرقية لا أحد يدري من ذا أرسلها .. الرجل الآخر غادر الليلة الماضية لكننا سنمسك به

هز بوارو رأسه باستخفاف و حزن وهو يقول :
- لا أظن ذلك ! ..

ثم رسم بيده رقم ((4)) على الطاولة بخط كبير بطريقة لا شعورية ..


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أريج الجنة
عامل قيد الترفيع
عامل قيد الترفيع
أريج الجنة


رقم العضوية : 6
17/04/2010
البلد : مصر
الجنس : انثى
المساهمات : 1155
نقاط : 105632
السٌّمعَة : 3
العمل/الترفيه طالبة جامعية
الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي  M2

الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي    الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي  I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 23, 2010 10:42 pm

الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي  576506
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي
» الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي
» الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي
» الرواية بوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي
» نبذة عن حياة الكاتبة اجاثا كرستي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات عامل من تاميكو :: 

المنتديات الأدبية  :: منتدى الروايات والقصص الأدبية

-
انتقل الى: