منتديات عامل من تاميكو
نورت منتديات عامل من تامبكو بقدومك
أشرقت الأنوار بقدومك وتدفق النهر بإطلالك

وغردت الطيور بك فيا أهلا ويا سهلا بالقلب نبعثر

التراحيب ونزف استقبالنا معطر بالورد و الكادي

مملوء بالحب والشوق والمشاعر أتمنى لك ألاستفادة بيننا
فأهلا بك زائرنا الكريم ويشرفنا بتسجيلك
ستسعدنا بتسجيلك وإنضمامك إلى اسرة المنتدى
أحمد الزعبي
منتديات عامل من تاميكو
نورت منتديات عامل من تامبكو بقدومك
أشرقت الأنوار بقدومك وتدفق النهر بإطلالك

وغردت الطيور بك فيا أهلا ويا سهلا بالقلب نبعثر

التراحيب ونزف استقبالنا معطر بالورد و الكادي

مملوء بالحب والشوق والمشاعر أتمنى لك ألاستفادة بيننا
فأهلا بك زائرنا الكريم ويشرفنا بتسجيلك
ستسعدنا بتسجيلك وإنضمامك إلى اسرة المنتدى
أحمد الزعبي
منتديات عامل من تاميكو
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اهلا بك يا زائر في منتديات عامل من تاميكو
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
بحجابي افتخر
عامل قيد الترفيع
عامل قيد الترفيع
بحجابي افتخر


رقم العضوية : 26
20/07/2010
البلد : العراق
الجنس : انثى
العمر : 41
المساهمات : 638
نقاط : 101454
السٌّمعَة : 6
العمل/الترفيه موظفة
  : الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي W610

الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي Empty
مُساهمةموضوع: الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي   الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 23, 2010 6:29 pm

[color=darkblue][size=18]
الفصل الرابع عشر

خاب ظني كثيرا من نتيجة هجوم بوارو بالقنبلة على البيت في الحي الصيني , فقد هرب رأس العصابة !

عندما هرع رجال جاب لما صفر بوارو وجدوا أربعة رجال صينيين في القاعة فقدوا وعيهم , لكن الذي هددني بالموت لم يكن فيهم , فتذكرت حينئذ أنني حين أجبرت على الخروج إلى عتبة البيت بقي هذا الرجل في المؤخرة , و بذلك ظل خارج منطقة الخطر الذي أحدثته القنبلة ففر من مخرج من المخارج الكثيرة التي عرفناها فيما بعد

لم نعلم من الأربعة الذين وقعوا في قبضتنا شيئا , و التحقيق الواسع الذي أجرته الشرطة لم يكشف صلة لأحدهم بالأربعة الكبار

لقد كانوا فقراء من الحي , و قد ادعوا جهلا تاما باسم لي شانغ ين , إنما استأجرهم رجل صيني للخدمة في البيت , و لم يكونوا يعلمون شيئا من شؤونه الخاصة !

في اليوم التالي تعافيت تماما من أثر القنبلة إلا من صداع خفيف , فنزلنا إلى الحي الصيني و تفحصنا البيت الذي استُنقذت ُ منه . .

كان المبنى يتألف من بيتين مصعدين متصلين معا بممر من تحت الأرض , كانا مهجورين لا فرش فيهما , و قد غطيت الشبابيك المكسورة فيهما بستائر بالية . .

اطلع جاب على الأقبية و كشف المدخل المؤدي إلى القبو الذي لبثت فيه نصف ساعة عسيرة , و أكد التحقيق أنها غرفة جهزت خصيصا من أجلي في الليلة السابقة

الحرير الذي كسا الحيطان و الأريكة و السجاد الممدود على الأرض كان متقنا . قد لا أكون من الخبراء العارفين في الفن الصيني إلا قليلا , و لكني أملك أن أجزم أن كل قطعة في تلك الغرفة كانت بالغة القيمة عظيمة الشأن !

أجرينا تفتيشا دقيقا للبيت , و كنت أرجو أن نجد وثائق هامة , ربما قائمة بأسماء عملاء الأربعة الكبار , أو رسائل في خططهم , لكننا لم نجد شيئا إلا رسائل كان الرجل الصيني يرجع إليها عندما كان يملي علي رسالتي إلى بوارو , كانت تتألف من سجل كبير عن كل عمل عملناه و عن شخصيتنا و مكامن ضعفنا !

كان بوارو مبتهجا من هذا جدا , كأنه طفل , أما أنا فلم أحسب أنها ذات لا سيما أن الرجل الذي جمعها – كائنا من كان – قد أخطأ في بعض آرائه بصورة مضحكة , و قد أوضحت ذلك لصديقي و نحن راجعان إلى بيتنا , قلت :

- بوارو , أنت تعرف الآن ماذا يظننا خصمنا ؟ يبدو أنه بالغ كثيرا في تقدير قوتك العقلية و استخف بي ! لا أدري كيف يمكن أن تنفعنا هذه المعرفة ؟

ضحك بوارو بطريقة مزعجة :

- أنت لم تفهم يا هيستنغز , إننا نستطيع الآن أن نعد أنفسنا لمواجهة أساليبهم في الهجوم حيث أدركنا بعض أخطائنا , مثلا يا صديقي : نعلم أنك يجب أن تفكر قبل أن تعمل , فإذا رأيت مرة أخرى فتاة ذات شعر أحمر في مشكلة فيجب أن تنظر إليها بارتياب , أليس كذلك ؟

كان في رسائلهم إشارات سخيفة عن تهوري المحتمل , و أشاروا أنني كنت سريع التأثر بالفتيات ذوات الشعر الأحمر , و كان فيها إشارة تعني بوارو فقدرت على الرد عليه :

- و ماذا عنك ؟ هل ستعالج (( غرورك المفرط )) و (( أناقتك الشديدة )) ؟

لم يكن بوارو مسرورا من ردي السريع

- بلا ريب يا هيستنغز انهم يخدعون أنفسهم في بعض الأمور , و سيعلمون ذلك في الوقت المناسب , و في غضون ذلك علمنا بعض الأشياء و عرفنا أنه يلزمنا الاستعداد

كانت الكلمة الأخيرة هذه البديهية المفضلة لديه منذ عهد قريب , و قد بدأت أكره معناها , و ما زال قائلا :

- هيستنغز , إننا نعرف شيئا ما و هذا فيه خير , لكن ينبغي أن نعرف أكثر
- في أي اتجاه ؟

استرخى بوارو في كرسيه و عدل علبة الكبريت التي ألقيتها على الطاولة بإهمال , و أحسست أنه يستعد لإلقاء خطبة طويلة :

- يجب يا هيستنغز أن نواجه أربعة أعداء , أربعة أشخاص مختلفين , رقم ((1)) عرفناه و لم نعامله , بالمناسبة , لقد بدأت يا هيستنغز أفهمه فهما حسنا : عقل شرقي حاذق , إن كل ما لقيناه كان من تدبير عقل لي شانغ ين

رقم ((2)) و رقم ((3)) لهما نفوذ و مرتبة عليا , و هما لذلك في حصانة من هجومنا , غير أن هذا سلاح ذو حدين: انهما مكشوفان فينبغي أن يقدرا حركاتهما بعناية , و هما – مع ذلك – قادران على النجاح لما لهما من شهرة و منصب . أما رقم ((4)) . . .

تغير صوت بوارو قليلا و تابع :

- أما رقم ((4)) فان نجاحه في تخفيه . . من هو ؟ لا أحد يعرف ! ما هو شكله ؟ لا أحد يعرف ! كم مرة رأيناه ؟ خمسا , أليس كذلك ؟ فهل يستطيع أحدنا أن يجزم بأنه سيعرفه إذا رآه ؟

تذكرت الرجال الخمسة المختلفين : حارس المصحة القوي الجسم , جيمس الرجل الذي كان يلبس المعطف المزرر في باريس , الخادم , الطبيب الشاب الباسم في قضية الياسمين الأصفر , و البروفيسور الروسي . . لم يشبه أي واحد من هؤلاء الخمسة الآخر , فقلت :

- لا , لا دليل عندنا بتاتا !

ابتسم بوارو :

- أرجوك لا تدع لهذا اليأس الشديد سبيلا إليك , إننا علمنا شيئا أو شيئين . . علمنا أنه رجل متوسط الطول أشقر الشعر قليلا , لو كان رجلا طويلا أسمر ما استطاع أن يخدعنا في هيئة الطبيب الأشقر القصير , و لابد أن يكون أنفه صغيرا مستقيما , لأن الأنف الكبير لا يصير صغيرا , ثم لا بد أن يكون رجلا شابا ليس أكبر من الخامسة و الثلاثين , إذن فقد وصلنا إلى شيئا ما : رجل بين الثلاثين و الخامسة و الثلاثين , متوسط الطول , لونه طبيعي , خبير في ( الماكياج ) , ليس لديه أسنان طبيعية
- ماذا ؟
- أجل يا هيستنغز , الحارس كانت أسنانه مكسورة صفراء , و في باريس كانت أسنانه بيضاء مستوية , و حين كان طبيبا كانت أسنانه بارزة قليلا , و لما كان سافرونوف كانت أنيابه طويلة , لا شيء يغير الوجه مثل طقم مختلف من الأسنان , هل ترى أين يقودنا كل هذا ؟
- لا أدري
- يقولون : (( حرفة الرجل مكتوبة في وجهه )) . .
- مجرم ؟
- خبير في فن الماكياج أو أنه كان ممثلا في يوم ما
- ممثل ؟
- أجل , فنان بارع , الممثلون صنفان : صنف يطيعه دوره و صنف يطيع دوره , صنف يؤثر في الدور و صنف يتأثر به و يقلب شخصيته حسب دوره . يجب أن نبحث عن رقم ((4)) بين ذلك الصنف السابق , انه فنان بارع يلبس الدور الذي يمثله بإتقان
- إذن أنت تظن أنك تقدر أن تتبعه في المسرح ؟ وددت لو أن هذه الفكرة جاءتك من قبل , لقد ضيعنا الكثير من الوقت
- كلا يا صديقي , لم نضيع وقتنا , عملائي مشغولون بالبحث منذ بضعة شهور , جوزيف ايرونز واحد منهم , هل تذكره ؟ لقد جمعوا قائمة بالرجال الذين تنطبق عليهم الأوصاف المطلوبة : شباب في الثلاثين : ذوو موهبة في التمثيل , تركوا المسرح في السنين الثلاث الأخيرة بصورة قاطعة

فقلت بتشوق :
- حسنا؟
- كانت القائمة طويلة , منذ زمن و نحن مشغولون بالحذف و أخيرا أخرجنا منها أربعة أسماء . . . هاهي يا صديقي

أعطاني قصاصة من الورق قرأتها جهرة :

إيرنست لوتريل : ابن كاهن في الشمال , غريب الأطوار , طرد من مدرسته , ذهب ليعمل في المسرح و هو في الثالثة و العشرين , مدمن مخدرات , يفترض أنه سافر إلى أستراليا قبل أربع سنين و لم نستطع متابعته منذ أن غادر إنكلترا , عمره الآن اثنان و ثلاثون عاما , طوله 5 أقدام و 10 بوصات , حليق , شعره بني , أنفه مستقيم , البشرة شقراء , العينان رماديتان

جون سانت مور : اسم منحول , الاسم الصريح مجهول , كأنه من أصل لندني , عمل في المسرح منذ أن كان طفلا حيث كان يؤدي أدواره في مسرح المنوعات , انقطعت أخباره منذ ثلاث سنوات , في الثالثة و الثلاثين , طوله 5 أقدام و 10 بوصات , نحيف , عيناه زرقاوان , لونه أشقر

أوستين لي : اسم منحول , اسمه الصريح أوستين فولي من أسرة طيبة , كان يحب شكلا واحدا من التمثيل , و كون لنفسه شخصية متميزة , له سجل حربي متألق , مثل في مسرحيات عدة , كان يتحمس لتثميل قصص الجريمة , أصابه انهيار عصبي شديد من حادث سيارة قبل ثلاث سنوات و نصف و لم يظهر على المسرح بعدها , لا أثر له يدل على مكانه الآن , عمره 35 سنة , طوله 5 أقدام و 9 بوصات و نصف , بشرته شقراء و شعره بني و عيناه زرقاوان

كلود داريل : يفترض أنه اسمه الصريح , أصله مجهول , مثل في مسرح المنوعات و مسرح الذخائر , ليس له أصحاب مقربون , كان في الصين عام 1919 , عاد عن طريق أمريكا , مثل أدوارا قليلة في نيويورك , في إحدى الليالي لم يظهر على خشبة المسرح و لم يسمع عنه شيء بعدها , تقول شرطة نيويورك بأن اختفاءه غامض جدا , عمره 33 سنة , شعره بني , بشرته شقراء , عيناه رماديتان , طوله 5 أقدام و 10 بوصات و نصف

قلت و أنا أضع الورقة :
- هذا مثير مدهش ! اذن فهذه نتيجة التحقيق الذي دام شهورا ؟ و هذه الأسماء الأربعة , أي منها تشك فيه ؟

أشار بوارو بيده بإيماءة نصيحة :
- يا صديقي . . إن هذا سؤال مبكر في الوقت الراهن . لا بد أنك لاحظت أن كلود داريل كان في أمريكا و الصين , و هي حقيقة ذات دلالة , ربما , و لكن لا يجدر أن نسمح لأنفسنا بالتحيز لهذه النقطة تحيزا مفرطا , ربما كان ذلك مجرد صدفة
- و ما هي الخطوات التالية ؟
- الأمور تسير بنظام , ستظهر كل يوم إعلانات مكتوبة بحذر , أصدقاء و أقرباء أحد هؤلاء الأربعة سيتصل بمحامي في مكتبه , حتى اليوم يمكن أن يكون . . . أوه . . انه التلفون يرن , ربما يكون الرقم خطأ كالعادة و سوف يعتذرون عن الإزعاج , و ربما يكون شيء قد ظهر

عبرت الغرفة و رفعت السماعة :

- نعم , نعم , هنا بيت السيد بوارو , أنا كابتن هيستنغز , ها ! السيد ماكنيل ؟ نعم , الآن أخبره و نأتي حالا

رددت السماعة و رجعت إلى بوارو :

- بوارو , محاميك السيد ماكنيل اتصل : امرأة صديقة لكلود داريل ! الآنسة فلوسي مونرو ! ماكنيل يريد أن تذهب إليه

صاح بوارو :
- فورا


و اختفى في غرفة نومه ليعود و على رأسه القبعة . و في الحال ركبنا سيارة حملتنا إلى وجهتنا , و دخلنا مكتب السيد ماكنيل الخاص

على المقعد المواجه للمحامي كانت امرأة دميمة تجاوزت سن الشباب , شعرها أصفر مقزز فيه خصلات مجعدة فوق كل أذن , جفناها مصبوغان بالسواد , لكنها لم تنس على كل حال وضع الحمرة و أحمر الشفاه

ماكنيل :
- هاهو السيد بوارو , سيد بوارو , هاهي الآنسة مونرو التي تلطفت كثيرا بنا و استجابت لنا
- ها . . ذلك لطف كبير !

ثم تقدم بوارو و قال بحماس غير آبه بمشاعر السيد ماكنيل :

- إن الآنسة تزهر كالوردة في هذا المكتب الممل العتيق !

احمر وجه الآنسة مونرو خجلا و ابتسمت ابتسامة متكلفة و هي تعلق قائلة :
- لا تمزح يا سيد بوارو , إني أعرفكم أيها الفرنسيون
- يا آنسة , نحن لسنا كالإنكليز بلهاء أمام الجمال , و أنا لست فرنسيا , أنا بلجيكي
- لقد ذهبت إلى أوستند بنفسي
- إذن فأخبرينا عن السيد كلود داريل
- عرفت السيد كلود داريل يوما ما , و قد رأيت إعلانك , و حيث إنني لا أعمل الآن في المحل , قلت لنفسي : انهم يريدون أن يعرفوا عن المسكين العجوز كلودي , فلعل وراءه ثروة لم يعرفوا وارثها , يجب أن أذهب في الحال

نهض السيد ماكنيل :

- حسنا يا سيد بوارو هل أترككم وحدكم ؟
- أنت لطيف جدا , لكن ساعة الغذاء تقترب و قد خطرت ببالي فكرة صغيرة , ربما تريد الآنسة أن تأتي معي لتناول الغذاء

تلألأت عيناها , و خطرت ببالي أنها كانت في ضائقة مالية و أن وجبة مشبعة لا ترفض

و خرجنا جميعنا في سيارة أجرة نحو أحد مطاعم لندن الفاخرة , و عندما وصلنا طلب بوارو غذاء لذيذا

بدأت تأكل وجبتها بشهية فيما طرق بوارو بحذر موضوعه المهم :

- مسكين السيد داريل , انني آسف لأنه ليس معنا الآن

تنهدت الآنسة مونرو :
- صدقت , الحق أنه ولد مسكين ! ترى ماذا جرى له ؟
- قد مضى وقت طويل على رؤيتك له , أليس كذلك ؟
- آه ! منذ سنين ! لم أره منذ الحرب . . كلودي كان ولدا مرحا لم يتحدث عن نفسه أبدا , لكن كل شيء سيبين اذا كان هو وريثا مفقودا . . و هل هو إرث شرعي يا سيد بوارو ؟
- للأسف مجرد تركة , و المسألة هي في تحديد الهوية , لذلك يلزمنا البحث عن شخص كان يعرفه جيدا , أنت كنت تعرفينه جيدا , أليس كذلك يا آنسة ؟
- لا بأس يا سيد بوارو , فأنت رجل لطيف تحسن اختيار طعام السيدات بأفضل من صغار هذه الأيام السفهاء , و أظن كونك فرنسيا غير مخيف . . آه ! أنتم – أشارت بأصبعها نحوه – أيها الفرنسيون أشرار , أشرار

عارضها بوارو متلطفا :

- لا , لا يا آنسة , لا تقولي ذلك . الآن هلا وصفت لي السيد داريل هذا ؟
- ليس بالطويل و لا بالقصير , أنيق , عيناه رماديتان فيهما زرقة , شعره أشقر , فنان و أي فنان ! لم أر مثله في الناس , و لو لا الغيرة لأصبح رجلا مشهورا , آه يا سيد بوارو , كم نعاني نحن الفنانين من الغيرة و الحسد , أذكر مرة في مانشستر . .
- هذا كلام جميل يا آنسة في أمر السيد داريل , النساء لا ينسين شيئا و يلاحظن ما يفوت الرجال , لقد عرفت امرأة عرفت رجلا من بين اثني عشر رجلا , هل تدرين كيف ؟ لقد لاحظت سمة مميزة تظهر على أنفه إذا غضب ! هل في الرجال من يلاحظ شيئا كهذا ؟

صرخت مونرو :
- ألا نستيطع ذلك ؟ نعم , نحن نلاحظه . . أتذكر كلودي , الآن بدأت أفكر بذلك : كان كثير العبث بالخبز الذي على الطاولة , كان يضع قطعة صغيرة بين أصابعه و يفركها ليأكل لب الرغيف , قلد رأيته يفعل ذلك مئة مرة , و أستطيع أن أعرفه من هذه العادة التي فيه
- و هل تحدثت معه عن عادته هذه يا آنسة ؟
- لا؛ فأنت تعرف طبع الرجال : لا يحبون أن تنتقدهم لا سيما ان بدا لهم أنك تنهاهم عن فعلها , لم أقل كلمة واحدة البتة , لكني كنت أضحك في سري كثيرا , انه لم يكن يشعر بفعله

هز بوارو رأسه موافقا , و رأيت يده ترتعش قليلا حين مدها إلى صحنه , قال :

- و خط اليد وسيلة لتحديد الهوية , لا شك أن عندك رسالة كتبها السيد داريل . .

هزت رأسها أسفا :
- لم يكتب لي سطرا في حياته أبدا
- هذا مؤسف

قالت مونرو فجأة :
- لكن عندي صورة . .
- عندك صورة ؟

قفز بوارو من كرسيه مذهولا :

- صورة قديمة , حين كان عمره ثمانية أعوام . .
- لا ضير ان كانت عتيقة أو باهتة , هلا أعطيتني إياها يا آنسة ؟
- أجل
- ربما تأذنين أن أستنسخ منها , إن ذلك لا يأخذ وقتا
- أجل إذا كنت تحب ذلك

نهضت مونرو , قالت بمكر :

- يجب أن أنصرف , أسعدني لقاؤك أنت و صاحبك يا سيد بوارو . .
- و الصورة ؟
- سأبحث عنها هذه الليلة , أظن أنني أعلم مكانها , سوف أرسلها لك فورا
- ألف شكر يا آنسة , أنت لطيفة جدا , أرجو أن نأكل الغذاء معا في وقت قريب !
- أنا على استعداد متى شئت . .
- لكني أجهل عنوانك

و بكبرياء شامخة سحبت مونرو بطاقة من حقيبتها و أعطتها له , كانت بطاقة وسخة بعض الشيء , و كان العنوان المطبوع مشطوبا كتب فوقه عنوان آخر بقلم رصاص . ثم مع انحناء ودعنا المرأة و ذهبنا , و سألت أنا بوارو :

- هل تظن حقا أن هذه الصورة خطيرة ؟
- نعم يا صديقي . . (( الكاميرا لا تكذب )) , نستطيع أن نكبر الصورة و نضبط النقاط البارزة , و نعلم كثيرا من التفاصيل : الأذن التي لا يستطيع أن يصفها لك أحد , حقا , ماأعظم هذه الفرصة التي جاءت لنا , من أجل هذا اتخذت احتياطاتي

عبر نحو الهاتف و طلب رقم وكالة التحري الخاصة , أوامره كانت واضحة و حاسمة : اثنان من الرجال يذهبان الى عنوان ذكره و يراقبان مونرو , يتابعانها حيث تروح و تجيء , و يؤمنان لها الحماية اللازمة

رد بوارو السماعة و عاد إلي

- و هل هذا لازم يا بوارو ؟
- ربما , لا ريب أنني أنا و أنت مراقبان , و سوف يعرفون من كان يأكل معنا غذاء اليوم , ربما أحس رقم ((4)) بالخطر

مضت عشرون دقيقة , رن الهاتف , و عندما أجبت عليه سمعت على الطرف الآخر صوتا جافا :

- أهذا هو السيد بوارو ؟ هنا مستشفى سانت جيمس , قبل عشر دقائق أحضرت لنا امرأة شابة , الآنسة فلوسي مونرو . . حادث سيارة . . إنها تسأل عن السيد بوارو بإلحاح , يجب أن يأتي حالا , فربما لا تعيش طويلا

أخبرت بوارو , أصبح وجهه شاحبا :

- هيا يا هيستنغز , هيا ننطلق كالبرق

و في غضون عشر دقائق وصلنا إلى المستشفى , سألنا عن مونرو , صعدنا إلى جناح الحوادث لكن الممرضة قابلتنا عند الباب . . قرأ بوارو الخبر في وجهها !

- ماتت ؟
- قبل ست دقائق

وقف بوارو مصعوقا و بدأت الممرضة تكلمه بلطف و هي لا تدري حقيقة حزنه :

- إنها لم تعان ألما , ظلت فاقدة للوعي , دهمتها سيارة , و لم يتوقف السائق . . آمل أن أحدا سجل رقم سيارته

قال بوارو همسا : الأحداث تتسارع ضدنا !
- تود أن تراها ؟

تقدمتنا الممرضة و تبعناها . . المسكينة فلوسي مونرو : ممددة و الحمرة على شفتيها و شعرها المصبوغ ! إنها ترقد بسلام و على وجهها بسمة ! . . همس بوارو :
- أجل . . الأحداث تجري ضدنا

و فجأة رفع رأسه كأن فكرة ما خطرت له و قال : لقد اقتربت نهاية هؤلاء الأشرار ! أقسم لك و أنا أقف هنا جنب جثة هذه المسكينة أني لن أرحمهم عندما يحين الوقت !

- ماذا تقصد ؟

لم يجب بوارو بشيء , بل التفت إلى الممرضة و هو يطلب بلهفة بعض المعلومات , و أخذ أخيرا أخيرا قائمة بالأغراض التي وجدت في حقيبتها . صاح بوارو صيحة مكبوتة و هو يقرأها . .

- هل ترى يا هيستنغز ؟ هل ترى ؟ لا ذكر لمفتاح المزلاج , و لا شك أن معها مفتاحا
لا , لقد صرعت بدم بارد و أول رجل انحنى فوقها أخذ المفتاح من حقيبتها , لكن الوقت ما زال معنا , فقد لا يجد ما يريده في الحال

و حملتنا سيارة أخرى إلى عنوانها : بيوت قذرة متجاورة في حي قديم !

مضى وقت طويل حتى أذن لنا أن ندخل بيتها , لكننا كنا قانعين أن أحدا لا يستطيع أن يغادر و نحن نرقب البيت من الخارج

أخيرا دخلنا , و كان واضحا أن شخصا قد دخل قبلنا هنا ؛ لأن محتوى الأدراج و الخزائن كله مبعثر منثور , و الأقفال مكسورة و الطاولات مقلوبة , كانت عجلة الباحث قبلنا عنيفة جدا

بدأ بوارو البحث في الحطام . . فجأة , وقف منتصبا يصرخ و يمسك إطارا عتيقا لصورة فوتوغرافية . . أما الصورة نفسها فقد اختفت ! قلبه ببطء . . كان على ظهر الإطار لاصق مدور صغير , ملصق يبين السعر , قلت له :

- ثمنه أربع شلنات
- أبصر جيدا يا عزيزي هيستنغز , انه لاصق جديد , ألصقه الرجل الذي نزع الصورة و الذي سبقنا هنا , كان يعلم أننا سنحضر , لذلك ترك هذه لنا . . انه رقم ((4)) . . كلود داريل بالتأكيد !

الفصل الخامس عشر


بدأت أدرك أن بوارو قد تغير بعد الوفاة المأساوية لمونرو . حتى ذلك الحين كانت ثقته بنفسه التي لا تهتز قد قاومت التجربة , لكن الإجهاد الطويل أخذ منه مأخذا فكان يبدو مهموما كئيبا كأنما أعصابه توشك أن تنهار

في هذه الأيام كان هائجا كأنه قط يتجنب كل نقاش في الأربعة الكبار , لكني كنت أعلم أنه كان نشيطا في المسألة سرا

كان يزوره كثيرا رجال غرباء , لكنه لم يتعطف علي بأي بيان لهذا النشاط الخفي , و فهمت أنه كان يبني دفاعا جديدا و سلاحا مواجهة بمساعدة هؤلاء الرجال ذوي المظاهر المثيرة للاشمئزاز

و ذات مرة – مصادفة – رأيت ما هو مدون في دفتر حساباته المصرفي , و كان قد طلب مني أن أتحقق من أمر ما , فعرفت أنه قد دفع مبلغا كبيرا من المال , كبيرا جدا حتى على بوارو الذي يكسب المال عادة بسرعة , دفعه لرجل روسي ما أطول اسمه !

و مازال يكتم الأمر , كان يكرر دوما قوله : (( إياك ألا تقدر عدوك يا صديقي , تذكر ذلك دائما )) ففهمت أن ذلك كان الشرك الذي يجتهد أن يتجنبه بأي ثمن

و هكذا سارت الأمور حتى نهاية آذار , و في أحد الأيام قال بوارو كلاما أرعبني :

- هذا الصباح يا صديقي عليك أن تلبس أفضل ثيابك , سنزور وزير الداخلية
- حقا ؟ هذا مدهش ! و هل هو الذي استدعاك ؟
- كلا , بل أنا طلبت مقابلته , لعلك تذكر أنني قد أديت له خدمة و هو متحمس بسببها و سوف ينفعني حماسه , و كما تعرف , رئيس وزراء فرنسا السيد ديسحارديو يزور لندن الآن , و سوف يحضر اجتماعنا الصغير هذا الصباح

اللورد سيدني مراوثر وزير الداخلية رجل معروف مشهور , في الخمسين من عمره , ذو أسلوب مرح و عيون رمادية لاذعة , استقبلنا بتلك الطريقة المرحة الأنيسة , و كان في البيت رجل طويل نحيف يقف و ظهره إلى الموقد , ذو لحية سوداء ووجه رقيق

قال كراو ثر :
- سيد ديساجرديو , هدا هو السيد هيركيول بوارو , لعلك سمعت به

انحنى الرجل الفرنسي و مد يده يصافحه , و قال بفكاهة :

- أجل قد سمعت بالسيد بوارو , و من ذا لا يعرفه ؟

احمر وجه بوارو من البهجة , قال :

- هدا لطف منك سيدي !

ثم تقدم رجل من زاوية بجانب خزانة كتب طويلة . . كان ذاك هو السيد إنغليز صديقنا القديم , و صافحه بوارو بشدة . قال كراوثر :

- و الآن , سيد بوارو , نحن في خدمتك , لقد فهمت أن لديك معلومات في غاية الأهمية تريد إطلاعنا عليها
- أجل يا سيدي . . . في هذا العالم اليوم منظمة واسعة في الجريمة رؤوسها أربعة أفراد اسمهم الأربعة الكبار , رقم ((1)) رجل صيني اسمه لي شانغ ين , رقم ((2)) المليونير الأمريكي آبي ريلاند , رقم ((3)) امرأة فرنسية , أما رقم ((4)) فلدي من الأسباب ما يدعوني الى الاعتقاد بأنه الممثل الإنكليزي الغامض كلود داريل

و هؤلاء الأربعة قد اتحدوا لكي ينشروا الفوضى و يقوضوا النظام الاجتماعي القائم في العالم و يستبدلوا به نظاما استبداديا تكون لهم من خلاله السيطرة

همس الفرنسي :

- مستحيل أن يتورط ريلاند في شيء كهذا ! الفكرة خيال بالتأكيد

استمع إلي يا سيدي أسرد عليك بعض أفعالهم

كان الوصف الذي قدمه بوارو ساحرا , و لقد كنت أعرف كلامه تفصيلا لكنه أثارني من جديد و أنا أسمع وصف مغامرتنا الخطرة !

نظر السيد ديسجاردريو في صاحبه كراوثر بعد أن أنهى بوارو حديثه , و أجاب كرواثر على النظرة :

- نعم يا سيد ديسجاردريو يجب علينا أن نقر بوجود الأربعة الكبار , لقد سخرت سكوتلانديارد من لك في البداية , و زعمت الشرطة أن السيد بوارو يبالغ كثيرا , غير أني شخصيا أشعر أن كلامه صحيح , و قد أجبرت الشرطة و سكوتلانديارد على التسليم بأكثر من هده الفرضيات

بين بوارو لهما عشر نقاط بارزة طلب مني أن لا أعلنها , و تضمنت الكوارث التي أصابت الغواصات و سلسلة حوادث الطائرة و هبوطها الإجباري , و حسب كلام بوارو كانت جميعا من فعل الأربعة الكبار , و شهد بان عندهم أسرار علمية لا يعرفها العالم كله , و هذا جعل رئيس وزراء فرنسا يسأل بوارو سؤالا كنت أنتظره :

- قلت بأن العضو الثالث من هذه المنظمة امرأة فرنسية , هل تعرف اسمها ؟
- انه اسم مشهور جدا يا سيدي , اسم ذائع الصيت , رقم ((3)) ليس إلا مدام أوليفير !

و لما ذكر اسم العالمة الكبيرة خليفة المدام كوري قفز السيد ديسجاردريو من كرسيه , احمر وجهه و قال :
- مدام أوليفير ؟ مستحيل ! هذا سخف ! ان الذي تقوله إهانة . .

هز بوارو رأسه بلطف لكنه لم يجبه . نظر ديسجاردريو إليه مذهولا لبضع دقائق , ثم التفت إلى وزير الداخلية و ضرب على جبينه بصورة ذات دلالة , قال :

- السيد بوارو رجل عظيم , لكن حتى العظماء يصيبهم الهوس أحيانا , هذا معروف , أليس كذلك يا سيد كراوثر ؟

صمت وزير الداخلية قليلا ثم أجابه بلسان ثقيل :

- لا أدري , كنت دائما و ما زلت أثق بالسيد بوارو , لكن هذا جدير بالملاحظة !
- ديسجاردريو : لي شانغ ين أيضا , من ذا سمع به من قبل ؟

و جاء الصوت من السيد إنغليز على غير توقع :

- أنا سمعت . .

حدق إليه الرجل الفرنس ثم نظر بهدوء كأنه وثن صيني , أوضح وزير الداخلية :

- السيد إنغليز هو أعظم مرجع لدينا في شؤون الصين
- إنغليز : لقد ظننت أنني الرجل الوحيد في إنكلترا الذي يعرف عنه , إلى أن جاءني السيد بوارو . لا تخطئ يا سيد ديسجاردريو , في الصين رجل واحد ذو أثر اليوم : لي شانغ ين , و قد يكون أذكى دماغ في العالم اليوم على الإطلاق

جلس السيد ديسجاردريو كالمصعوق , لكنه ملك قواه و قال :

- ربما يصح شيء مما تقول يا سيد بوارو , و لكنك مخطئ بالتأكيد فيما يتعلق بمدام أوليفير . . إنها ابنة فرنسا المخلصة للعلم !

هز بوارو كتفيه استهجانا و لم يجب

ران الصمت بعض الوقت , ثم نهض صديقي و عليه ملامح الوقار :

- هذا كل ما أردت قوله يا سادة , إني أحذركم , دار في خلدي أنكم ربما لا تصدقونني , لكنكم قد تصبحون أكثر حذرا , إن كلماتي ستدخل في الأعماق و كل جديد سيؤكد لكم الحقيقة , كان ضروريا أن أتحدث الآن إليكم , فلعلي لا أستطيع لقاءكم بعد هذا اليوم !
- تقصد . . ؟
- أقصد أنني أصبحت في خطر دائم مند فضحت اسم رقم ((4)) , سوف يسعى لتدميري بأي ثمن , و ليس اسمه ((المدمر)) من فراغ أو ضعف يا سادة . أسلم عليكم , و إليك يا سيد كراوثر هذا المفتاح و هذا الظرف , كتبت كل ملاحظاتي عن القضية و أفكاري حول أحسن السبل لمواجهة الخطر الذي قد يعم العالم يوما ما و وضعتها في خزانة , فإن قتلت يا سيد كراوثر فأنت صاحب الحق للتصرف بتلك الأوراق , يوما طيبا !

خرجنا و خرج إنغليز معنا , و قال بوارو و نحن نسير :

- ما خاب ظني في المقابلة لم أتوقع إقناع ديسجاردريو , لكنني ضمنت أنني اذا مت فإن معرفتي لا تموت , لقد أقنعت واحدا من اثنين . . . لا بأس !
- إنغليز : إنني معك كما تعرف , و وسوف أسافر إلى الصين إن نجوت بنفسي
- هل هدا عمل حكيم ؟
- لا , لكنه واجب , و علي أن أعمل ما أستطيع
- آه إنك رجل شجاع , و لو لم نكن في الشارع لعانقتك

ظننت أن إنغليز بدا مطمئنا . . و هدر قائلا :

- قد لا أكون في خطر و أنا في الصين أكثر من الخطر الذي تواجهه أنت في لندن
- ربما , أرجو أن لا يذبحوا هيستنغز أيضا . . إن هذا يزعجني كثيرا !

قاطعت حديثهما اللطيف لأقول بأنني لا أعتزم ترك نفسي تدبح , و بعد ذلك بقليل تركنا إنغليز , سرنا بصمت بعض الوقت لكن بوارو قطعه و قال عبارة مفاجأة تماما , قال :

- أظن أن علي أن أقحم أخي في هذه القضية
- أخوك ؟ لم أعرف أن لك أخا من قبل
- يا هيستنغز , ألا تعلم أن رجال التحري جميعا لهم إخوة ؟

بوارو له طريقة عجيبة أحيانا تجعل المرء في حيرة مايدري أجاد هو أم هازل ! سألته و أنا أحاول أن أوافقه :

- و ما اسم أخيك ؟
- أشيلي , يعيش قرب منتجع صحي في بلجيكا
- و ماذا يعمل ؟
- لا شيء ؛ لأنه مريض , لكن قدرته على الاستنتاج ليست دون قدرتي
- و هل يشبهك ؟
- أجل لكنه ليس أنيقا و يحلق شاربه
- أكبر منك ؟
- لقد صادف أنه ولد في نفس اليوم الذي ولدت فيه !

صحت مندهشا : توأمان !

- تماما يا هيستنغز , إنك تقفز إلى النتيجة الصحيحة بدقة ! ها نحن قد عدنا إلى البيت ثانية , دعنا نشتغل في الحال بتلك القضية السهلة , قضية عقد الدوقة

لكن قدر لقضية عقد الدوقة أن تتأجل بعض الوقت , فقد كان عندنا قضية من نوع آخر , فما إن دخلنا إلى البيت حتى جاءت السيدة بيرسون و أخبرتنا أن ممرضة اتصلت و أنها تريد رؤية بوارو

دخلنا فوجدناها تجلس على مقعد كبير تقابل الشباك . . امرأة جميلة في ربيع العمر , عليها زي كحلي , كرهت الحديث في المسألة قليلا لكن بوارو طمأنها فأخذت تحكي قصتها :

- أرسلني مستشفى لارك سيتر هود لكي أمرض عجوزا في هيرتفوردشير اسمه السيد تيمبلتون , و كان بيته يثير البهجة و أهله فرحون , الزوجة : مدام تيمبلتون أصغر كثيرا من زوجها , و له ابن من زواجه الأول يعيش هناك , و لكنه لم يكن على وفاق تام مع زوجة أبيه , و هو لم يكن مختلا تماما و لكنه من النوع البطيء التفكير

حسنا . . لقد كان العجوز مريضا , و بدا لي مرضه مند البداية غامضا , و في ذلك الوقت بدا سليما معافى , ثم – فجأة – أصابته نوبة معوية مع ألم و تقيؤ , لكن طبيبه بدا راضيا عن حالته و لم أستطع أن أقول شيئا , بيد أني لم أملك نفسي من التفكير في حالته ثم . .

سكتت و احمر وجهها , و قال بوارو :

- حدث شيء أثار شكوكك ؟
- نعم

ثم سكتت و قد بدا أن الاستمرار صار صعبا عليها . .

- عرفت أن الخدم ينقلون كلاما أيضا . .
- عن مرض السيد تيمبلتون ؟
- آه ! كلا , بل عن هدا الشيء الآخر !
- السيدة تيمبلتون ؟
- نعم
- ربما مع السيدة تيمبلتون مع الطبيب ؟

كان بوارو ذا حاسة خارقة في هده الأمور . . . ألقت الممرضة عليه نظرت شكر و أكملت :

- كانوا ينقلون كلاما , ثم ذات يوم رأيتهما بعيني في الحديقة . .

توقفت المسألة هكذا ,لقد كانت زبونتنا في كرب شديد لأنها انتهكت الحشمة , فلم نسألها مادا رأت حياء , لكنها حتما قد رأت ما فيه برهان

- النوبة ساءت و ساءت , الدكتور تريفز زعم أن كل مايصيب العجوز طبيعي متوقع و أنه ربما لا يعيش طويلا , لكنني لم أر شيئا من هدا أبدا من قبل طوال خبيرتي في التمريض , بل بدا لي أنه شكلا من . .

أطرقت مرة أخرى و هي مترددة , فتدخل بوارو مساعدا :

- التسمم الزرنيخي . .

هوت رأسها موافقة

- و المريض قال بعد ذلك شيئا عجبا , قال (( سيقتلونني أربعتهم ! سيقتلونني ! ))
- ماذا ؟!
- كانت هذه هي كلمته يا سيد بوارو , كان يكابد ألما عظيما آنذاك و لا يعي – على الأغلب – ما يقول
- مذدا تظنين معنى قوله (( أربعتهم )) ؟
- لست أدري , لعله كان يقصد زوجته و ابنه و الطبيب و الآنسة كلارك صاحبة زوجته , ربما كان يتوهم أنهم جميعا متحدون عليه
- نعم , ربما . . و ماذا عن الطعام ؟ ألم تأخذي حذرك في شأنه ؟
- إنني دائما أفعل ما أستطيع لكن السيدة تيبلتون تلح أحيانا كي تطبخه هي بيدها , ثم أحيانا أكون في عطلة
- تماما , و أنت لست على يقين من الأمر كي تبلغي الشرطة

أظهر وجه الممرضة خوفها عند هدا السؤال . .

- أصابت السيد تيمبلتون نوبة بعد شربه صحنا من المرق , فأخذت حثالة المرق و أحضرتها معي , لقد ألغيت اليوم زيارة إلى أمي المريضة من أجله . .

أخرجت قنينة ملئت سائلا قاتما و أعطتها بوارو :

- أحسنت يا آنسة , سوف نحللها الآن , إذا رجعت بعد ساعة فنكون قد حسمنا شكوكك

و كتب بوارو اسمها و بعض المعلومات عن مؤهلاتها ثم سطر رسالة و بعثها مع قنينة المرقة , و بينما كنا ننتظر النتيجة كان بوارو يسلي نفسه بالتحقيق في أوراق الممرضة مما أدهشني , فقال :

- أنا أعمل جيدا يا صديقي كي أكون حذرا , لا تنس أن الأربعة الكبار يتعقبوننا

عرف بوارو أن اسمها مابل بالمر , كانت تعمل في مهد لارك , ترى لماذا أرسلت إلى تيمبلتون ؟ قال و عينيه تلمع :

- حسنا و الآن هاهي بالمر قد رجعت و هاهو بيان التحليل . .
- هل فيه زرنيخ يا سيد بوارو ؟
- لا !

دهشت أنا و الممرضة كثيرا , و أكمل بوارو :

- ليس فيه زرنيخ لكن فيه أنتيمون , سنذهب حالا إلى هيرتفوردشير , أدعو الله ألا نكون متأخرين

لقد قرر بوارو أن يقدم نفسه كرجل تحر , لكن حجته الظاهرة أنه أتى يسأل مدام تيمبلتون عن خادمة كانت تعمل عندها , و يزعم أن لها علاقة بسرقة الجواهر

وصلنا بيتهم المسمى (( إلمستيد ))في ساعة متأخرة , بعدما سمحنا للممرضة أن تسبقنا بعشرين دقيقة حتى لا تثار شكوك حول وصولنا سوية

السيدة تيمبلتون امرأة طويلة عبوس يبدو في عينيها القلق

استقبلتنا و لاحظت مسحة من الخوف سرت على وجهها عندما أعلن بوارو عن هويته . لكنها أجابت سؤاله في شأن الخادمة بجلد , ثم بدأ بوارو حديثه في تاريخ طويل لقضية تسميم وصفتها امرأة مذنبة , عيناه لم تغادر وجهها وهو يتحدث و قد حاولت هي كبت هيجانها الدي كان يزيد , ثم فجأة , أسرعت من الغرفة بعذر ضعيف . .

لم نترك وحدنا طويلا , فقد دخل علينا رجل قوي الجسم شاربه أحمر خفيف و على أنفه نظارة , قدم نفسه قائلا :

- دكتور تريفيز . طلبت مني مدام تيمبلتون أن أعتذر لكما فهي في حالة سيئة , إنها متوترة بسبب قلقها على زوجها و قد نصحت لها أن تذهب للنوم حالا , لكنها ترجوكما أن تبقيا ! لقد سمعت بك يا سيد بوارو و نريد أن ننتفع بحضورك . . ها هو ميكي . .

و دخل علينا فتى بطيئ الحركة , يدل وجهه المدور و حاجباه المرتفعان على حماقة و دهشة دائمة , ابتسم بصورة عجيبة وهو يصافحنا . يبدو أنه كان ذلك الابن (( بطيء التفكير )) !

و قمنا جميعا لوجبة العشاء , و عندما انصرف الدكتور ليأتي ببعض الطعام , صارت ملامح وجه الفتى متغيرة بصورة مخيفة : مال للأمام وهو يحدق ببوارو , و قال وهو يهز رأسه :

- أنت جئت من أجل أبي , أعرف . . أعرف أشياء كثيرة , لكن لا أحد يظنني أعرف , أمي ستفرح حين يموت أبي , وتستطيع أن تتزوج الدكتور تريفيز , إنها ليست أمي . . إني لا أحبها

كان كل شيء مرعبا , و من حسن الحظ أن عاد الدكتور تريفيز قبل أن يلفظ بوارو كلمة معه , و كان علينا أن ننشغل بحديث آخر

و فجأة أسند بوارو ظهره إلى الكرسي و جعل يتأوه ووجهه يتلوى من الألم . . صرخ الدكتور :

- سيدي العزيز , ماذا أصابك ؟
- تشنج مفاجئ . . إنني معتاد عليه . لا , لا أحتاج إلى مساعدة منك يا دكتور , هل يمكن أن أستريح في الطابق الأعلى ؟

قبل طلبه فورا و صحبته إلى الأعلى حيث سقط على سريره و هو يئن بشدة , لقد ذهلت قليلا لكني فهمت بسرعة أن بوارو كان يمثل و أن غايته أن يترك وحده في الطابق الأعلى بجوار غرفة المريض , و لقد كنت مستعدا حين قفز واقفا في اللحظة التي كنا وحدنا :

- أسرع يا هيستنغز , الشباك . . . اللبلاب هناك في الخارج , نستطيع أن ننزلق عليه إلى الأسفل لنهرب قبل أن يشكوا في غيابنا !
- ننزل إلى أسفل ؟
- أجل , لا بد أن نخرج من هنا حالا , هل رأيته في العشاء ؟
- الطبيب ؟
- لا , تيمبلتون الفتى , عادته العجيبة في الخبز ! ألا تذكر ما قالته مونرو لنا ؟ قالت بأن كلود داريل كان فيه عادة تفتيت الخبز على الطاولة ليأكل لب الرغيف , إنها مؤامرة محكمة يا هيستنغز , و هذا الفتى المعتوه هو عدونا الخبيث . . رقم ((4)) . . . أسرع !

انزلقنا على نبات اللبلاب و نزلنا بسكون و بالكاد أدركنا قطار الساعة 8,34 الأخير الذي أوصلنا إلى البلدة في الساعة الحادية عشرة مساء

قال بوارو متأملا : مؤامرة ! ترى كم واحدا منهم شارك فيها ؟ أشك في أن أسرة تيمبلتون جميعا ليسوا سوا عملاء للأربعة الكبار , هل أرادوا هكذا بسهولة أن نقع في شركهم أم أنها كانت أكثر مكرا ؟ هل كانوا . . ماذا ؟ إنني أتساءل !

ظل يفكر كثيرا . .

و عندما وصلنا إلى مسكننا أبقاني عند باب غرفة الجلوس :

- تنبه يا هيستنغز , عندي شكوك , دعني أدخل أولا . .

دخل , ثم دهب حول الغرفة كأنه قطة غريبة بحذر و هدوء تام , و راقبته قليلا و أنا في مكاني جانب الحائط , قلت و قد نفذ صبري :

- كل شيء على ما يرام يا بوارو
- عسى أنه كذلك لكن دعنا نتأكد
- سأشعل نارا و أدخن بغليوني . . هاهي أعواد الثقاب قد تركتها أنت هذه المرة و لم تعدها إلى مكانها , و هو الأمر الذي كنت تعيبه علي

مددت يدي , فسمعت صرخة بوارو , قفز نحوي , لمست يدي علبة الكبريت . . ثم . . وميض من اللهب الأزرق . . ضربة على الأذن , و ظلام !

وعيت لأجد صديقنا الدكتور ريدغوي يجثو على ركبتيه فوقي تلمح في وجهه الطمأنينة , قال :

- كن هادئا , لقد وقع حادث , أنت بخير
- و بوارو ؟
- أنت في بيتي اطمئن

شعرت خيفة , هروبه من الجواب ألقى في نفسي خوفا رهيبا . .

- بوارو ؟ أين بوارو ؟

أدرك أن علي أن أسمع جوبا فقال :

- لقد نجوت بمعجزة , أما بوارو فلم ينج

انفجرت صرخة من بين شفتي :

- لم يمت ؟ لم يمت ؟

حنى ريدغوي رأسه . . و جلست أنا و قلت بضعف :

- ربما يكون بوارو قد مات . . لكن روحه . . ستعيش ! سأتابع عمله , الموت للأربعة الكبار ! ثم سقطت على ظهري فاقدا الوعي.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أريج الجنة
عامل قيد الترفيع
عامل قيد الترفيع
أريج الجنة


رقم العضوية : 6
17/04/2010
البلد : مصر
الجنس : انثى
المساهمات : 1155
نقاط : 101292
السٌّمعَة : 3
العمل/الترفيه طالبة جامعية
الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي M2

الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي   الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 23, 2010 10:50 pm

شيقه كتير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي
» الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي
» الرواية البوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي
» الرواية بوليسية (الاربعة الكبار)لاجاثا كرستي
» نبذة عن حياة الكاتبة اجاثا كرستي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات عامل من تاميكو :: 

المنتديات الأدبية  :: منتدى الروايات والقصص الأدبية

-
انتقل الى: