قواعد في أسماء الله الحسنى
القاعدة الأولى : أسماء الله الحسنى أعلام وأوصاف :
أعلام باعتبار دلالتها على ذات الله ، وأوصاف باعتبار المعنى الذي يختص به كل اسم . فالله تعالى سميع، بصير، عليم، قدير، حكيم. كل واحد من هذه الأسماء الحسنى يدل على ذات الله. فإذا قلت : يا سميع، فكما تقول يا بصير، أو يا عليم، أو يا حكيم، أو يا قدير. لأن المدعو واحد، وهو الله تعالى. ولهذا نجد أن الله تعالى، ذكر في سورة الحشر، جملة من الأسماء الحسنى، فقال : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ . هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ . هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الحشر: 22-24 كل هذه الأسماء تدل على ذات واحدة، ومرجعها هو الله سبحانه وتعالى. لكن كما أنها أعلام على ذات الله، فكل واحد منها يدل على صفة خاصة؛ فاسمه السميع يدل على الذات، ويدل على اتصافه بصفة السمع. واسمه البصير يدل على ذات الله، وعلى اتصافه بصفة البصر. واسمه العليم يدل على ذات الله،وعلى اتصافه بصفة العلم . وهكذا في جميع الأسماء .
بينما أسماء المخلوقين تكون أعلاماً، ولا يلزم أن تكون أوصافاً. فقد نقول عن واحد من الناس أن اسمه صالح، وهو في الحقيقة طالح .
وربما وجدنا واحداً من الناس اسمه (أمين)، فإذا به يأكل أموال الناس بالباطل، ويحتال عليهم، ويغشهم ! إذاً ! اسمه علم لا صفة .
ونستطيع القول أيضاً أن أسماء نبينا
أعلام، وأوصاف. فكل ما أسماء نبينا
منطبقة عليه غاية الانطباق. فهو محمد، وهو أحمد؛ يعني أنه أفعاله، وأقواله محمودة، يحمده الناس عليها. وهو الحاشر، وهو العاقب، إلى غير ذلك من الأسماء التي ثبتت من أسماء النبي
.
كذلك أسماء القرآن، أعلام وأوصاف. فهو القرآن، وهو الفرقان، وهو الذكر .
أما المعتزلة، فترى أن أسماء الله عز وجل أعلام مجردة، لأنهم يفرغونها من المعاني والصفات، فلا يرون فرقاً بين السميع، والبصير، والعليم، والقدير ! يقولون هذه مجرد أعلام لذات واحدة، ولا فرق بينها، لأنه، عندهم، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، عليم بلا علم، قدير بلا قدرة. فلا يثبتون له الصفات .
فأسماء الله الحسنى مترادفة باعتبار، متباينة باعتبار آخر ؛ مترادفة باعتبار دلالتها على الذات، فكل اسم من الأسماء التسعة والتسعين يدل على ذات الله، وهي متباينة باعتبار استقلال كل اسم منها بالدلالة على صفة تستفاد من هذا الاسم دون ما سواه .
القاعدة الثانية من قواعد الأسماء: أسماء الله الحسنى غير محصورة بعدد :
الدليل على ذلك قول نبينا
في دعاء الكرب ( أسألك بكل اسم هو لك؛ سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ) [1] ، فثم أسماء استأثر الله بها، لا نعلمها. ومعنى ذلك لا يمكن أن نحصر أسماء الله الحسنى بعدد معين .
فإن قال قائل: فماذا تصنعون بالحديث المتفق عليه، من قول النبي
( إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة )[2] ؟
نقول: هذا لا يدل على الحصر، بل يفيد أن الأسماء التي يمكننا إحصاؤها، حدها الأقصى تسعة وتسعين . فهذا التعبير لا يدل على الحصر، كما لو قلت: عندي تسعة وتسعون ديناراً أعددتها للصدقة. لا يفهم من هذا التعبير أن هذا كل رصيدك، وأن ليس عندك غير التسعة والتسعين. يفهم من هذا أن هذه التسعة والتسعين أعددتها للصدقة، وأن ما سواها لأغراض أخرى.
ولهذا اعتنى العلماء بإحصاء أسماء الله الحسنى، لما يترتب على ذلك من دخول الجنة.
والإحصاء له ثلاثة معاني :
المعنى الأول : العد، كقول الله عز وجل: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ) النحل : 18، فيكون إحصاؤها: أن نستخرجها من القرآن العظيم، ومن نصوص السنة ال
ة. ويروى فيها حديث ((إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة)) ثم فيه مسرد للأسماء الحسنى رواه الترمذي [3] لكن ال
أن هذا المسرد، مدرج،وليس من كلام النبي
، بل من كلام بعض الرواة . وقد اعتنى العلماء بهذا الأمر أيما عناية، وصنفوا فيها المصنفات.
المعنى الثاني : التعقل، يعني فهمها و معرفة معانيها . ومنه قولهم : فلان ذو حصاة ، أي عقل، وحصافة. وقول الشاعر :
رجعت لنفسي واتهمت حصاتي
فيكون من مقاصد إحصاء أسماء الله الحسنى، أن نعرف معانيها، وأن نتعقلها، وندرك المراد منها، والفرق بينها.
فمثلاً : القوي والقدير،كلاهما من أسماء الله الحسنى، معناهما متقارب لكن بين القوة والقدرة فرق يعرفه أهل اللغة؛ فالقوة وصف يتمكن فيه من الفعل من غير ضعف، والقدرة وصف يتمكن فيه من الفعل من غير عجز .
وممن صنف في هذا أبو إسحاق الزجاج في معاني أسماء الله الحسنى وغيره.
المعنى الثالث : العمل بمقتضاها، بمعنى حصول الأثر المسلكي من عدها، والعلم بمعناها. وهذا هو بيت القصيد في الواقع لأنه هو الثمرة . فأنت مثلاً إذا علمت أن الله على كل شيء قدير، ينبغي أن يعمر قلبك هذا الشعور. فإذا هممت بأمر من الأمور، اتكلت على ربك، وعلمت أنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. فيثمر في قلبك الطمأنينة، والثقة .
إذا علمت بأن الله سبحانه وتعالى هو السميع، وأدركت أن السمع معناه إدراك الأصوات، ينبغي أن يثمر في قلبك أن لا تفوه بكلام، يسمعه السميع، فيسخط عليك؛ لا بغيبه، ولا نميمة، ولا قذف، ولا لغو .
إذا علمت أن الله هو البصير، وأدركت أن البصر يعني إدارك المبصرات، ينبغي أن يمتلئ قلبك بالحذر من أن يبصرك البصير على حال يسخطه. وهكذا .
فبهذا يتبين أن إحصاء الأسماء الحسنى له مراتب، وأن من حقق هذه المراتب الثلاث، استحق الجنة .
القاعدة الثالثة :دلالة أسماء الله الحسنى تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام :
دلالة المطابقة: تكون على كامل المعنى. فاسم الله (الخالق) يدل مطابقة على قضيتين: على إثبات ذات الله، وإثبات صفة الخلق له , هذا مطابقة لأن أسماء الله أعلام وأوصاف.
دلالة التضمن: تكون على جزء المعنى. فاسمه (الخالق) يدل على ذاته تضمناً، ويدل على اتصافه بصفة الخلق تضمناً.
دلالة الالتزام: تكون بمعرفة مستلزمات المعنى الخارجة عن مجرد اللفظ. وهذه مسرح فكر العلماء، وأهل التدبر. فمثلاً نقول إن اسمه (الخالق) يستلزم أن يكون قديراً، وأن يكون عليماً. لأنه ما خلق الخلق على هذا النسق البديع، والنظام المنضبط، إلا عن علم، وحكمة.
: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ) الطلاق : 12