أولاً وقفة محاسبة:
وأعني بها أن يقف المسلم مع نفسه وقفة تقويمية، يحاسب فيها نفسه على ما أسرف من ذنوب ومعاصٍ، وعلى ما فرَّط في جنب الله، وعلى ما أضاع من وقت، وعلى ما قصَّر في الطاعات، يقول الحق سبحانه:[ يّا أّيَهّا الَّذٌينّ آمّنٍوا تَّقٍوا اللَّهّ ّلًتّنظٍرً نّفًسِ مَّا قّدَّمّتً لٌغّدُ ّاتَّقٍوا اللَّهّ إنَّ اللَّهّ خّبٌيرِ بٌمّا تّعًمّلٍونّ(18)ّلا تّكٍونٍوا كّالَّذٌينّ نّسٍوا اللَّهّ فّأّنسّاهٍمً أّنفٍسّهٍمً أٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الًفّاسٌقٍونّ 19 ](الحشر).
إن خلوة المسلم بنفسه قبل رمضان، وبشكل دوري في سائر الأوقات لمحاسبتها عما بدر منها من الأقوال، والأفعال، ووزنها بميزان الشرع، لمن الأمور المهمة في التغيير الإيجابي في الشخصية المسلمة، كما أنها من علامات المؤمن. يقول الحسن البصري رحمه الله "لا تلقى المؤمن إلا بحساب نفسه ماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه، ومن أقواله أيضاً أي الحسن البصري "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة همته".
وقال ميمون بن مهران "لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل "النفس كالشريك الخوَّان؛ إن لم تحاسبه ذهب بمالك".
وينبغي لرب البيت المسلم أن يبادر بذلك، ويبدأ بنفسه، حتى يكون قدوة لأهل بيته، ثم يدعو رعيته إلى ذلك، وينبههم إلى اغتنام فرصة رمضان، وذلك في جلسة خاصة، يكون قد خطط لها جيداً.
والمحاسبة لازمة لتقويم المسلم في جميع الأوقات؛ فينبغي أن يفرد لها المسلم وقتها، وألا يغفل عنها، فمما ذكره الإمام أحمد رحمه الله عن وهب، قال مكتوب في حكمة داود حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات، وإجماماً للقلوب".
وقد نبَّه الشاعر إلى فرح الإنسان بالدنيا وغفلته عن المحاسبة في قوله:
إنا لنفرح بالأيام نقطعها ..وكلُّ يوم مضى يُدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً.. فإنما الربح والخسران في العمل
ثانياً الاستغفار والتوبة:
فكل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون، وما دام ابن آدم خطاء.. فلا بد أنه بعد المحاسبة سيقف على أخطائه ويحددها، ومن ثم يجب أن يسعى إلى الدعاء والاستغفار، كي يغفر الله عز وجل له، كما تجب عليه التوبة.. ولأهمية التوبة فقد أفردتُّ لها المقال السابق، وبقي لي أن أدعو نفسي وكل رُعاة البيوت المسلمة أن نقرأ جميعاً باب التوبة من كتاب رياض الصالحين، أو غيره من الكتب التي عالجت هذا الباب العظيم.
ثالثاً تجهيز عدَّاد تنازلي يُوضع في مكان بارز في البيت:
وينبغي استثمار القدرات الفنية للأولاد في تجهيز هذا العداد، وذلك يشعرهم بذواتهم، وبأنهم يقدمون شيئاً مفيداً، ويستثمرون به أوقاتهم، وحبذا أن يكافئهم رب الأسرة، وهذا العداد قد يُجهز من بطاقات ورقية.. أو غير ذلك من الخامات، ويعلق في مكان بارز بالبيت، منذ منتصف شعبان، أو بعد مرور عشرين يوماً منه، وكلما مر يوم رُفعت البطاقة الورقية التي كتب عليها هذا اليوم وظهرت لأفراد البيت المسلم عبارة بقيت تسعة أيام، وفي اليوم التالي بقيت ثمانية أيام... وهكذا، وعلى من يرفع البطاقة أن ينبه بقية أفراد البيت إلى ذلك بصوت مسموع.
رابعاً تدريب النفس والأهل والأولاد:
على العبادات الرمضانية في شهر شعبان، كالصيام، والقيام، والصدقات... وغير ذلك.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله [ يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان" (رواه البخاري).
فمن فوائد الصوم في شعبان أنه تمرين وتدريب على صيام رمضان، حتى لا يجد المسلم مشقة في صيام رمضان، بل يكون قد تمرّس على الصوم، فيدخل رمضان بهمّة ونشاط وقوة، فشعبان مقدّمة لرمضان، ومن ثمّ فمن المفيد لأفراد البيت المسلم أن يتدربوا على عبادات رمضان في شعبان، كالقيام، والصيام، وتلاوة القرآن، والصدقة... وغير ذلك، ولذلك كان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أكثر من قراءة القرآن.
وذكر بعض أهل العلم أن السبب في كثرة صيام النبي [ في شعبان أنه شهر يغفل الناس عنه بين شهرين عظيمين شهر رجب الفرد.. وهو من الأشهر الحرم، وشهر رمضان المعظّم، واستشهدوا برده [ على أسامة بن زيد عندما سأله عن كثرة صيامه في شعبان فقال "ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" (رواه النسائي).
خامساً إصلاح ذات البين:
ويكفي المسلم هنا أن يُصغي إلى قول الله عز وجل:[ فّاتَّقٍوا اللَّهّ ّأّصًلٌحٍوا ذّاتّ بّيًنٌكٍمً ّأّطٌيعٍوا اللَّهّ ّرّسٍولّهٍ إن كٍنتٍم مٍَؤًمٌنٌينّ](الأنفال)، فإذا ما أصغى واستمع وأنصت ووعى، فلا بد من أن يستجيب ويُنفذ ويطيع ربه سبحانه ورسوله [، ومن ثم يسعى المسلم للتصالح والتسامح والتغافر مع أقاربه وأصدقائه، وجيرانه وزملائه، في العمل وسائر المسلمين.
سادساً صلة الرحم:
فإذا كان الشرع الحنيف دعانا إلى ذلك في سائر الأوقات، فإن ذلك في شهر رمضان أنفع وأنسب لاقتناص هذا الخير، قال تعالى محذراً من قطيعة الرحم :[فّهّلً عّسّيًتٍمً إن تّوّلَّيًتٍمً أّن تٍفًسٌدٍوا فٌي الأّرًضٌ ّتٍقّطٌَعٍوا أّرًحّامّكٍمً 22أٍوًلّئٌكّ الَّذٌينّ لّعّنّهٍمٍ اللَّهٍ فّأّصّمَّهٍمً ّأّعًمّى" أّبًصّارّهٍمً 23 ](محمد).
منقول