السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
غض البصر وفوائده
ان النظرة سهم مسموم من سهام ابليس ومن أطلق لحظاته دامت حسراته وخسر في دنياه وآخرته. والمؤمن الحق هو الذي يحاسب نفسه و يراقبها ويقومها ويبحث عن كل ما يعينه على غض بصره والتخلص من أسر النظرة الحرام.
وان من الأمور المعينة على غض البصر اشتغال القلب بما يصده عن ذلك ويحول بينه وبين الوقوع فيه وهو اما خوف مقلق او حب مزعج وهذا يحتاج الى أمرين:-
أحدهما: بصيرة صحيحة يفرق بها بين درجات المحبوب والمكروه فيؤثر أعلى المحبوبين على أدناهما ويحتمل أدنى المكروهين للتخلص من أعلاهما.
الثاني: قوة عزم وصبر يتمكن بهما من هذا الفعل والترك فكثير ما يعرف الرجل قدر التفاوت ولكن ضعف نفسه وهمته وعزيمته لا تعينه على ايثار الأنفع له. فان الله سبحانه لم يمنح امامة الدين الا لأهل الصبر واليقين فقال تعالى وبقوله يهتدي المهتدون ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ).
وغض البصر فيه منافع لا تعد ولا تحصى فمن هذه المنافع:-
أحدها: أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة الا با متثال أوامره وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة الا بتضييع أوامره .
الثاني: أنه يمنع من وصول أثر السم الذي لعل فيه هلاكه الى قلبه .
الثالث: أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعية على الله فان اطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله وليس على العبد شيء أضر من اطلاق البصر فانه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .
الرابع: أنه يقوي القلب ويفرحه كما أن اطلاق البصر يضعفه ويحزنه. ا لخامس: أنه يكسب القلب نورا كما أن اطلاقه يكسبه ظلمة ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الامر بغض البصر فقال جل من قائل: ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) ثم قال أثر ذلك: ( الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه، واذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات اليه من كل جانب كما أنه اذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى واعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة فان ذلك انما يكشفه له النور الذي في القلب فاذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام.
السادس: أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل والصادق والكاذب. وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول من عمر ظاهره با تباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة وكان شجاع هذا لاتخطئ له فراسة. والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه فاذا غض بصره عن محارم الله عوضه الله بان يطلق نور بصيرته عوضا عن حبسه بصره لله، ويفتح له باب العلم والايمان والمعرفة والفراسة الصادقة الصائبة التي انما تنال ببصيرة القلب. وضد هذا ما وصف الله به اللوطية من العمى الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى (لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون) فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل والعمه الذي هو فساد البصر فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمه البصيره يسكر القلب كما قال القائل: سكران سـكـر هـوى وسـكـر مُـدامـة * ومـتـى افـاقـة مـن بـه سـكـر
السابع: انه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوه ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة كما في الأثر الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله، وضد هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها لأنه عصى الله كما قال الحسن : إنهم وأن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فان المعصية لاتفارق رقابهم أبى الله الا أن يذل من عصاه. وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته فقال تعالى ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) وقال تعالى (و لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون ان كنتم مؤمنين ) قول وعمل ظاهر وباطن وقال تعالى ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) أي من كان يريد العزة فيطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح. وفي دعاء القنوت انه لايذل من واليت ولايعز من عاديت ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه وله من العز بحسب طاعته ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه وله من الذل بحسب معصيته.
الثامن: أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب فانه يدخل مع النظرة وينفذ معها الى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي فيمثل له صورة المنظور اليه ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ثم يعده ويمنيه ويوقد على القلب نار الشهوة ويلقى عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل اليها بدون تلك الصورة، فيصير القلب في اللهب فمن ذلك اللهب تلك الانفاس التي يجد فيها وهج النار وتلك الزفرات والحرقات، فان القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أن جعل لهم في البرزخ تنور من نار وأودعت أرواحهم فيه الى حشر اجسادهم كما أراها الله نبيه صلى الله عليه وسلم في المنام في الحديث المتفق على صحته.
التاسع: انه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها واطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه قال تعالى (ولاتطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ) واطلاق النظر يوجب هذه الامور الثلاثه بحسبه .
العاشر: أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما بالآخر، وان يصلح بصلاحه ويفسد بفساده، فاذا فسد القلب فسد النظر واذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والاوساخ فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والانابه اليه والانس به والسرور بقربه فيه وانما يسكن فيه اضداد ذلك.