كان عنوان هذا المقال يطن في أذني عندما استيقظت صباحًا، وإذا بصديق يهاتفني ليناقشني في قضية تشغلني. عندما تكون لك قضية، يجب أن تخوض حروبًا ومعارك من أجلها؛ حتى لو انتهى بعضها بالهزيمة. ربما تهزم في معركة أو في الحرب، ولكن عندما تخلد إلى النوم، ستشعر بالسلام يغمرك، فتتأكد أن لك دورًا تلعبه، مما يسبغ معنى ويعطي لونًا للغد الذي ينتظرك.
أحسست هذا الصباح أن شيئًا ما ينتظرني. رحت أستعرض أكثر الكتب مبيعًا في العالم كما أفعل في نهاية كل أسبوع، وإذا بكلام كثير وكبير ينشر عن رواية "باولو كويلهو" الجديدة وعنوانها "مخطوطة وجدت في أكرا." تقدم الرواية نصائح وحكمًا في سياق ديني وتاريخي مركب، وكان أهم ما فيها إجابة الحكيم "بطل الرواية" عن سؤال تقليدي طُرح ملايين المرات حول العالم، وهو: "ما هو النجاح؟."
جاءت الإجابة متوقعة: "النجاح هو أن تخلد إلى النوم كل يوم مرتاح الضمير فتنام في سلام." وهذا هو ما قلته لصديقي الذي يعاتبني لأنني أشن حربًا على المؤلفين المزيفين، وعلى المدربين العرب الكثيرين الذين أعلن كل منهم أنه صار دكتورًا، ويتمتع بما للدكتوراه من مزايا، لا بما يملك من سجايا.
يبرر صديقي ظاهرة ادعاء أكثر من نصف المدربين العرب أنهم حملة دكتوراه، أن "الضرورات تبيح المحظورات" وأن الظاهرة جزء من منظومة معقدة ترعاها جامعات عربية معروفة، وجامعات أجنبية غير معروفة، لأن مقابل كل مال.. أعمال. وكان ردي بأن المنظومة ملغومة، وتعكس ظاهرة فساد وتيار يجرف في طريقه الصالح مع الطالح، والأخضر مع اليابس. عندما نكون جزءًا من نظام فاسد علينا أن نخرج منه ونجبره على التغيير، لأننا لن نستطيع تغييره من داخله.
كثيرًا ما تكون النظم السياسية والثقافية شرعية، وأيضًا لا أخلاقية. استمعت مؤخرًا لمحاضرة "لورانس لوسيج" عن انهيار النظام السياسي الأمريكي لأن القلة القوية تحتكر صوت الأغلبية. الدكتور "لوسيج" فيلسوف في القانون وحقوق الملكية الفكرية، أكد أن 140 ألف أمريكي فقط هم من يقررون مصير الرئاسة و"الكونجرس" ومستقبل الشعب. النظام الفاسد لا يستطيع إنقاذ نفسه، لأن رغباته تجمد حركاته، وطلباته تشل آلياته. ولذا جاءت محاضرة "لوسيج" بعنوان: "نحن الشعب وعلينا استعادة جمهوريتنا."
بالمثل؛ تعاني الجامعات الأردنية اليوم من اضطرابات ثقافية واجتماعية وسلوكية أدت مؤخرًا إلى استشهاد طالب هندسة في جامعة "مؤتة". وحينما بحثت منظومة التعليم العالي عن حل، لجأت إلى منظومة قبلية ذات أعراف وتقاليد اجتماعية وآليات بدائية وغير منهجية، لتعالج بؤر الفساد الأكاديمية. مثل هذه الحلول المجتزأة تشبه معالجة مرض خطير بوصفة طبية صحيحة لكنها غير صحية. فالدواء الفاسد ومنتهي الصلاحية يمكن أن يقضي على المرض وعلى المريض معًا.
مما قاله الحكيم في رواية "باولو كويلهو" الجديدة وهو يخاطب الجمهور المأزوم متحدثًا عن الإخلاص: "أحذركم من الألم الذي سيسببه لكم الأنذال والجبناء إذا ما سمحتم لهم باختراق عالمكم. فإذا ما انتشر الفساد ودخل الخوف بيوتكم، فلا تلوموا إلا أنفسكم؛ لأنكم سمحتم له بالدخول."
رأيت فساد الذمة ينخر جسد الأمة، فجهرت بصوتي ودافعت عن بيتي، فاتهمني أحد الناشرين بأنني أدمر الإدارة العربية لأنني لخصت 500 كتاب ومنعته من سرقتها. وادعى علي أحد الأدعياء – أقام دعوى – بأنني أحاول تشويه سمعته، عندما راقبته وعنفته لأنه يصر على تغليف ونشر كتاب كل شهرين، بينما يؤكد المنطق وعلم الأخلاق وعلم الجمال، والمنهج العلمي، وحتى الخيال العلمي، وما قاله فيلسوف الملكية الفكرية الدكتور "لوسيج"، أن ما فعلته ليس إلا محاولة لتنظيفه. فالمال السياسي والنخاسي يسمح للصوص بأن يشتروا النصوص؛ فيتحول في مؤلفاتهم "الكلام"؛ من علم إلى ظلم، ومن دسم إلى سم، ومن حلال إلى حرام.
المصدر :- موقع إدارة.كوم
المحرر :- أ. نسيم الصمادي